دار الإفتاء بشأن تولي المسيحي للقضاء وتنفيذ الأحكام الصادرة عنه

2020-08-04 . تطورات سياسية . مؤسسات إسلامية

4 أغسطس 2020

أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى برقم 5064 للإجابة عن تساؤل حول هل يتعارض إتاحة القانون المصري للقاضي بأن يكون مسيحيًّا مع الشريعة الإسلامية وهل ينفذ قضاء القاضي حينئذ؟ وأجاب د. شوقي علام مفتي الجمهورية وقال:  قرر فقهاء الشافعية أنه يحتمل أن ولي الأمر لو قلد القضاء لغير المسلم أن قضاءه ينفذ حينئذ، وهذا الاجتهاد منهم يدل على أن درء الفتن واستقرار الأوضاع في المجتمع وتجنب الفوضى غاية مهمة ومقصود متأكد يصلح أن نتجاوز عن بعض الشروط الشرعية لأجل تحقيقه؛ لأن مفسدة الفوضى وعدم الاستقرار وشق الصف أشد من مفسدة فوات بعض الشروط الشرعية، ويكون هذا من قبيل الضرورة، وهذا هو ما صرح به الفقهاء عند بيانهم لجهة الضرورة؛ فقالوا: “لئلا تتعطل مصالح الناس”.[1]

وأضاف: في الدولة الحديثة المبنية على المواطنة فالأمر يختلف، فهذه الدولة تتعدد فيها السلطات التنفيذية

 والتشريعية والقضائية وتتكامل فيما بينها، ويحكمها القانون الملزم للقاضي، ولا تشترط في القاضي أن يكون مجتهدًا يحكم بما يراه أرجح في نظره من المذاهب بقدر ما تشترط فيه فهم القانون والقدرة على تنزيله على الوقائع والقضايا؛ بحيث يكون القاضي جزءًا من المنظومة القضائية التي لا تتوقف عليه، ويكون هو مؤتمنًا على تطبيقها؛ فينقض حكمه إذا خالف القانون، ويوضع عليه من القيود في تنفيذ حكمه ما لا يجعله نافذًا حتى يراجَع من قِبَل الاستئناف ثم النقض بعد ذلك إذا تم الطعن فيه، وبهذا نكون قد خرجنا من السلطة الشخصية للقاضي إلى سلطة المحكمة التي يعتبر القاضي جزءًا منها، والتي ينقض حكمها إذا خالف القانون أو تفسيره الصحيح، ولا يسمح لحكمها بالتنفيذ إلا بعد أخذ حقه في المراجعة والنظر في الدرجات القضائية الأعلى عبر محكمة الاستئناف ثم محكمة النقض والتي تحاكم الحكم لا المتهم، كل هذا في إطار السعي الحثيث في رفع الظلم وإقرار العدل.

وبهذا يتضح أن مواصفات القاضي في الفقه الموروث وطبيعة عمله وصلاحياته تختلف عنها في قاضي الدولة الحديثة في أمور كثيرة؛ حيث إن للقاضي قديمًا ولايةً شرعية تجعل حكمه نافذًا إذا حكم بأي مذهب فقهي معتبَر، ما لم يخالف نصًّا جليًّا أو إجماعًا قطعيًّا، أما وظيفة القاضي الآن فمختلفة كما سبق، والمنظومة القضائية نفسها صارت مختلفة في عملها عن المنظومة القضائية القديمة.

ومما يمكن استدعاؤه كذلك في هذا السياق: ما ذهب إليه بعض أهل العلم من القدامى من جواز أن يتقلد أهل الذمة المناصب الوزارية التنفيذية؛ لأنها وظيفة إدارية لا ولاية فيها ولا استقلال.

وعليه: فلا مانع من أن يكون القاضي الآن في الدولة المصرية الحديثة مسيحيًّا، وينفذ قضاؤه ما دام قد صار حكمًا نهائيًّا باتًّا وفق المنظومة الإجرائية المعمول بها.


[1]اللموقع الإلكتروني لدار الإفتاء

https://www.dar-alifta.org/AR/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa&LangID=1&ID=15643&%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A_%D8%BA%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8%A9