8 مايو 2021
أصدرت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار سعيد مرعي عمرو حكمًا برفض الدعوى 175 لسنة 30 قضائية دستورية، والمقامة من ليلي قسطنطين وفقي، للطعن بعدم دستورية المادة 151 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الارثوذكس، بشأن وجوب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر، اذا لم يكن يستطيع الكسب، وكانت هى قادرة على الإنفاق عليه.[1]
فقد أقام وديع جرجس (الزوج) الدعوى رقم 3 لسنة 2008 أسرة أول طنطا ضد زوجته (ليلى قسطنطين)، طالبًا بفرض نفقة مؤقتة له للإنفاق منها، حتى يفصل في موضوع الدعوى، ويفرض نفقة شهرية له على زوجته، طبقًا لنص المادة 151 من لائحة 1938 للأقباط الارثوذكس، ذلك من تاريخ الامتناع الحاصل في 1 يونيه 2007 على نحو يتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار وارتفاع دخل المدعية، وعدم وجود من يستحق النفقة خلافه. واستند الزوج في ذلك إلى امتناع زوجته من الإنفاق عليه رغم يسارها، كونه زوجًا لها بموجب العقد الكنسي المؤرخ في 12 سبتمبر 1957، وأنهما قبطيان أرثوذكسيان، وكان يقوم طوال حياته بالإنفاق عليها، ومنحها واولادها كل ما يملك، ومع تقدمه في العمر وإصابته بالمرض لم يستطيع العمل، وليس له دخل سوى معاش شهري ضئيل من نقابة الصيادلة، لا يكفي المعيشة ومصاريفها.
وأثناء نظر الدعوى، دفعت المدعى عليها (الزوجة) بعدم دستورية المادة 151 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الارثوذكس، وقدرت المحكمة جدية الدفع، وقامت بتأجيلها، للسماح بالمدعى عليها بإقامة الدعوى الدستورية.
وأقامت الزوجة ليلي قسطنين دعواها رقم 175 لسنة 30 قضائية دستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، واختصمت فيها كلًّا من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب(النواب حاليًّا)، والبابا شنودة الثالث بصفته رئيس طائفة الأقباط الأرثوذكس والممثل القانوني للطائفة، ووديع جرجس مليكة، وطعنت فيها بعدم دستورية نص المادة 151 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الارثوذكس المطبقة اعتبارًا من 8 يوليو 1938 لمخالفتها للمواد ( 2،9، 40، 46، 68) من دستور 1971 والمقابلة للمواد ( 2، 10، 53، 64، 97) من الدستور القائم 2014.
وتنص المادة 151: “ تجب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر، اذا لم يكن يستطيع الكسب، وكانت هى قادرة على الإنفاق عليه.”
وجاء في حيثيات الحكم أن المادة 3 من دستور 2014 تنص على “مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة للأحوال الشخصية..” وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع أحال في شأن الأحوال الشخصية لغير المسلمين إلى شرائعهم مستلزمًا تطبيقها دون غيرها، في كل ما يتصل بها، وأن المشرع قد ارتقى بالقواعد التي تضمنها إلى مرتبة القواعد القانونية، التي يلتزم المخاطبون بأحكامها لا يحيدون عنها في مظاهر سلوكهم.
وأن المدعية (الزوجة) تنعي على النص المطعون فيه بإقامة تمييز غير مبرر بين أبناء الوطن الواحد، في مسألة لا تتعلق بالعقيدة، الأمر الذي ترتب عليه الإخلال بمبدأ المساواة بين المسلمين والأقباط الأرثوذكس، فيما يتعلق بنفقة الزوجة، على نحو يؤدي إلى تقويض دعائم الأسر الأرثوذكسية، ويتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعد المصدر الرئيسي للتشريع.
وأوضحت حيثيات الحكم أن نص المادة 151 المطعون عليها أقرها المجلس الملي العام للأقباط الارثوذكس ضمن لائحة 1937 للأحوال الشخصية، وعمل بها قبل تعديل الدستور في ،1980 والذي أضاف المادة الثانية للدستور بأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وبالتالي فلا تتناولها الرقابة القضائية للمحكمة.
كما تنص المادة 10 من الدستور أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ دعائمها، فقد أقام الدستور من الدين والأخلاق والوطنية إطارًا للأسرة يؤكد طابعها ويعكس ملامحها، والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر فلا تكون حركتها انفلاتًا ولا حريتها لقهر أو طغيان، ويراعى التكافل الاجتماعي بين آحادها، وأن صيانة الطابع الأصيل للأسرة مؤداه، أنه لا يصلح انشقاق استفحل مداه، وفرق تماسكها ووحدتها.
تنص المادة 151 من لائحة 1938 على وجوب النفقة على الزوجة لزوجها طالما أن يكون الزوج معسرًا، وغير قادر على الكسب، وأن تكون الزوجة قادرة على اإنفاق، حيث أن الالتزام بالنفقة التزام تبادلي في إطار العلاقة الزوجية لطائفة الأقباط الأرثوذكس، فينتقل استثناء من الملتزم الأول به وهو الزوج إلى زوجته إذا تحققت الشروط السابقة، وقد فرضت هذا الالتزام الطبيعة الخاصة للزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس في كونه نظامًا دينيًّا وسرًا مقدسًا يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطًا دينيًّا طبقًا لطقوس الكنيسة، بقصد تكوين أسرة، والتعاون على شئون الحياة على نحو أبدي لا مؤقت، يكفل الطرفان خلالها كل منهما الآخر في السراء والضراء.
أما فيما يخص مخالفة نص المادة لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادتين 4 و 53 من الدستور القائم قالت حيثيات الحكم إن ذلك مردود عليه بأن الأصل في أي تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف من خلال اﻷعباء التي يلقيها على البعض، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، ومع ذلك فإن اتفاق هذا النص مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية عن أهدافها، وأن كفالة المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات العامة لا يعني أن تعامل فئاتها على نحو ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة متكافئة، كذلك لا يقوم مبدأ المساواة بين المواطنين على معارضة صور التميز جميعها، ذلك أن من بين هذا التمييز ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينضوى على مخالفة لنص المادتين 4 و 53 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًا، وليس مستندا إلى أسس موضوعية تبرره.
وانتهت الحيثيات إلى أنه إعمالًا لنص المادة 3 من الدستور القائم واحتراما لحرية الاعتقاد جاء النص المطعون فيه متسقًا وطبيعة عقد الزواج في شريعة الأقباط الأرثوذكس، وهو ما تفرضه قداسة هذا العقد على طرفيه من لتزامات متبادلة أبدية، أساسها التكافل والنزاهة والمودة على النحو الذي يؤدي إلى صيانة بنيان الأسرة واستمراريتها.
وحكمت المحكمة برفض
الدعوى ومصادرة الكفالة وألزمت المدعية مبلغ مائتي جنيه أتعاب المحاماة.
[1]لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نسخة من حيثيات الحكم في الدعوى رقم 175 لسنة 30 قضائية دستورية والصادر في 8 مايو 2021 والمنشور في الجريدة الرسمية، العدد 19 0تابع) بتاريخ 17 مايو 2021.