أغسطس ٢٠٢٣
أصدرت لجنة الحريات الدينية الأمريكية تقريرها حول حرية الدين والمعتقد في مصر، وقد عبر التقرير عن تحسن ملحوظ في ظل رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي في وضع الحريات الدينية، حيث سمت إدارته بالتسامح الديني كهدف للمجتمع في ظل خطتها الخمسية لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وأشار التقرير إلى تقدم إيجابي في ملفات مثل المناهج التعليمية، حيث أزالت وزارة التربية والتعليم عددًا من الموضوعات والمواد الدراسية التي من شأنها تعزيز الطائفية والإضرار بالأقليات، كما أبرز التقرير دعوة رئيس الجمهورية لزعماء وممثلي الأقليات الدينية لمشاركة أعضاء الحكومة والمجتمع المدني في صياغة قانون الأحوال الشخصية، وكذلك دعوتهم للحوار الوطني.
بالرغم من تلك الجهود، نوه التقرير إلى أنه لا تزال هناك قيود منهجية على حرية الدين أو المعتقد في مصر، فقد أشار إلى قانون ازدراء الأديان المطبق في البلاد، وعدم الاعتراف ببعض الطوائف الدينية، والقيود الصارمة على بعض الطوائف الدينية، والملاحقة الأمنية والاحتجاز التعسفي لبعض المدافعين عن الحريات الدينية أو أفراد منتمين إلى أقليات دينية.
وتناول التقرير جهود الدولة في ظل الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في حفظ التراث الديني وأعمال ترميم وصيانة المعالم الدينية المسيحية، اليهودية، والإسلامية، وأشار إلى ترميم ١٢٧٧ مسجدًا، بالإضافة إلى فتح ٧ من أصل ١٤ موقعًا، من مواقع رحلة العائلة المقدسة في مصر، بالإضافة إلى كنيس بن عزرا وكنيس إلياهو هنافي.
إلا أن التقرير أشار إلى أنه بالرغم من تلك الجهود، فإن معظم تلك المواقع غير نشيطة حاليًّا، ولم تتخذ الحكومة خطوات لتعزيز الحرية الدينية للمجتمعات الدينية نفسها.
تناول التقرير أوضاع الأقليات الدينية بشكل منفصل، وبالنسبة إلى المسيحيين، فقد أشار التقرير وفقًا لاجتماع اللجنة مع عدد من القيادات الدينية المسيحية إلى العلاقة القوية التي تجمع القيادات الدينية المسيحية وقيادات الدولة، وعن رأيهم الإيجابي في قانون الأحوال الشخصية المزمع إصداره، كذلك عن قانون رقم ٨٠ لسنة ٢٠١٦ الخاص بتسجيل الكنائس والمباني الكنسية غير المسجلة والذي انعكس على الاعتراف الحكومي بمئات الكنائس.
إلا أن هناك عددًا من السلبيات، حيث أن الكنائس الجديدة التي تتسم بمعايير أمن عالية، يتم بناؤها في المدن الجديدة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، في حين إصلاح كنيسة في إحدى القرى يواجه تعطيلًا كبيرًا بسبب قيود التصاريح الحكومية، بالإضافة إلى ذلك، فإن السكان المحليين من المسلمين في الريف عادة ما يرفضون إصلاح الكنيسة ويتطور الأمر إلى مهاجمتها.
في هذا الشأن، أشار التقرير إلى تعطيل القانون وذلك حينما يضطر الضحايا من المسيحيين إلى الجلوس مع المهاجمين من المسلمين في جلسات الصلح العرفي، التي تتم خارج إطار القانون، ويتم فيها تسوية الأمر بضغوط من الأمن على المسيحيين، وعادة ما تتوقف أعمال الترميم، وقد أوضح التقرير أحداث كنيسة السيدة العذراء والأنبا صموئيل في البحيرة التي تخدم أقباط ١٧ قرية حولها مثالًا على ذلك.
وقد عبر التقرير إيجابيًّا عن توفير الحكومة المصرية الأمن لليهود المصريين، الذي يعتقد أنهم أقل من ١٠ أشخاص، ولم يبقَ أي حاخام يهودي لأداء شعائر دينية منظمة. من ناحية أخرى أشار التقرير إلى مواصلة القادة اليهود الاستفسار عن وتيرة أرشفة ورقمنة سجلات المجتمع التاريخية التي كانت في حوزة الحكومة منذ عام 2016. وقد رفض المسؤولون الحكوميون مرارًا وتكرارًا الوصول إلى المنظمات اليهودية التي تطلب نسخًا من المحفوظات.
وقد ذكر التقرير تحسنًا ملحوظًا في تعديل المناهج الدراسية حتى الصف الخامس، حيث تمت إزالة مواد دراسة تضر بالأقلية اليهودية ومعادية للسامية، غير أنه أشار إلى أن ذلك التحسن لم يطرأ بالمثل على المواد الدراسية للصفوف الأعلى، كما أشار التقرير إلى خلو المناهج الدراسية من ذكر المحرقة اليهودية أو تاريخ اليهود في مصر.
فيما يتعلق بالبهائيين، أشار التقرير إلى مواصلة الحكومة المصرية حرمان البهائيين من الاعتراف بهم وتقييد حرية الدين أو المعتقد لديهم. ويواجه غير البهائيين الذين يتحدثون نيابة عن الطائفة ضغوطًا من أمن الدولة للتوقف، كما حُرم البهائيون أنفسهم من القدرة على المشاركة في الحوار الوطني المصري الذي بدأ في مايو ٢٠٢٣.
حيث إنه لا يوجد قانون للأحوال الشخصية للبهائيين في مصر، فلا يستطيع أفراد الطائفة الزواج. وقد حاول الأزواج معالجة هذه المشكلة في حدود القوانين الحالية من خلال الزواج في الخارج ومطالبة الحكومة المصرية بالاعتراف بهذه الزيجات المدنية التي يتم الحصول عليها في الخارج. رغم أن وزارة الداخلية المصرية قبلت هذه الزيجات في بعض الحالات، إلا أنها فعلت ذلك بشكل غير متسق، حيث رفضت الحالة الاجتماعية لبعض المتقدمين.
في مايو ٢٠٢٣، عارضت الوزارة شخصًا بهائيًّا اتبع هذا المسار على أساس أن الشخص لم يكشف عن هويته البهائية أثناء طلب الاعتراف بالزواج. ومع انقضاء الموعد النهائي للاعتراضات المحتملة على الحكم لصالح هذا الاعتراف، تلجأ الوزارة على نطاق واسع إلى “النظام العام” كأساس لمطالبتها.
ويواجه البهائيون أيضًا صعوبات مستمرة في الحصول على أرض للمقابر. وبعد أن رفضت محكمة الإسكندرية منح الجماعة أرضًا لإقامة مقبرة، أيدت المحكمة الإدارية العليا القرار في عام 2022 بناءً على عدم اعتراف الدولة بالجماعة كدين. وفي مناطق أخرى (بما في ذلك بورسعيد)، استجابت المحاكم لطلبات شراء أراضي المقابر بالقول بعدم توفر أرض. في اجتماعات مع اللجنة في مايو ٢٠٢٣، عرض مسؤول رفيع المستوى في محافظة الإسكندرية مساعدة المجتمع البهائي وطلب معايير للأرض اللازمة لإنشاء مقبرة.
أعرب البهائيون عن مخاوفهم من رفض طلباتهم للالتحاق بالمدارس الخاصة على أساس عقيدتهم، ويخشى الكثير منهم الإبلاغ عن كونهم بهائيين في طلبات الالتحاق بالجامعات. في اجتماعات مع اللجنة، أشار مسؤولو وزارة التعليم إلى أنه على الرغم من أنهم “يحترمون الجميع”، فإن العدد الصغير من الأقليات الدينية يجعل تقديم خيارات تعليمية دينية إضافية غير ضروري وأشاروا إلى أنه لا يُطلب من الطلاب حضور حصص الدين، واقترح مسؤولو وزارة التعليم أن أعضاء بعض الطوائف الدينية يمكن أن يلجؤوا إلى السفارات الأجنبية للتعليم الديني وفقًا لتقاليدهم الخاصة.
وقد تناول التقرير أوضاع شهود يهوه، حيث ذكر أنه على الرغم من اعتراف الدولة بهم في بطاقات الهوية كمسيحيين، فإن الحظر الرئاسي الذي صدر عام ١٩٦٠ للطائفة ما زال ساريًا، وهو ما ينعكس سلبًا على حياة ١٥٠٠ من المنتمين إلى الطائفة، الذين يعيشون في القاهرة، الإسكندرية، والمنيا. حيث إنه وفقًا لذلك الحظر، لا يوجد قانون للأحوال الشخصية للطائفة، كذلك لا يستطيعون بناء دور عبادة لهم ووصولًا إلى الحظر على منشوراتهم الدينية المطبوعة أو المنشورة عبر شبكة الإنترنت.
يمارس شهود يهوه طقوسهم الدينية سرًّا، خوفًا من استهداف سلطات الدولة لهم كما خضع عدد منهم للمراقبة الأمنية في منازلهم الخاصة بالإضافة إلى ساعات من الاستجواب في المطارات دون مبرر.
وفقًا للتقرير، فقد أبلغ عدد من أعضاء الطائفة عن انتشار الرسائل التشهيرية التي يطلقها القادة الدينيون للكنيسة القبطية الأرثوذكسية تجاه الطائفة، والتي تصور شهود يهوه بأنهم غير مؤمنين، محتالين، وشياطين.
يقول التقرير إن العديد من القيود على حرية الدين متجذرة في القوانين، السياسات الحكومية، والأحكام القضائية في البلاد، وعلى الرغم من إبداء الحكومة المصرية استعدادها للمشاركة في نقاشات بهدف إصلاح جوانب تلك السياسات، فإنها مستمرة في العمل.
فقد أشار التقرير إلى خانة الديانة بالبطاقة الشخصية، وهي وثيقة مهمة في إجراء المعاملات الرسمية وغير الرسمية مثل حجز الفنادق، وتسمح الدولة بكتابة اليهودية، المسيحية، والإسلام في تلك الخانة، بالإضافة إلى “الشرطة” التي تشير إلى البهائيين، وهو ما يمثل قيدًا على حرية الدين، إذ على سبيل المثال يتم توقيف واستجواب البهائيين لساعات دون مبرر، على الرغم من أن البهائيين يقولون إن الأوضاع تحسنت كثيرًا في السنوات الأخيرة، إلا أن تلك الممارسات لا تزال مستمرة.
وقد أشار التقرير إلى قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، لتنظيم الزواج، الطلاق، الميراث، وحضانة الأطفال وليس التبني الذي عكفت على وضعه لجنة قانونية، بالإضافة إلى ممثلين عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، والأنجليكانية، وعلى الرغم من الانتهاء من القانون فإنه لم يعرض على مجلس الوزراء للمراجعة ومن ثم التصويت عليه في البرلمان وإقراره. وعليه، فإن المسيحيين المصريين لا يزالون خاضعين لقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، التي غالبًا ما تختلف عن تلك التقاليد الدينية للمسيحيين.
وأشار التقرير إلى حالات الاعتقال على أساس الدين أو المعتقد، والانتهاكات التي تمارس بحق المعتقلين مثل الحبس الانفرادي، أو عدم إمكانية الوصول إلى محامٍ، أو الحبس دون محاكمة. وعادة ما يتم ذلك استنادًا إلى المادة ٩٨ من قانون العقوبات المعروفة باسم جرائم ازدراء الأديان. ويقول التقرير إن السلطات الأمنية تتخذ من ذلك القانون وقوانين مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تهمة نشر أخبار كاذبة، الذريعة للاعتقال.
ذكر القانون عددًا من حالات الاعتقال بتلك الاتهامات، مثل أحمد محمد أحمد خليفة، ونور فايز إبراهيم جرجس الذي أنشأ صفحة على موقع فيسبوك لمساعدة المتحولين إلى المسيحية، وعبدالباقي سعيد عبده، وهو يمني الجنسية طلب اللجوء السياسي إلى مصر لاعتناقه المسيحية.
كما أشار التقرير إلى استخدام قانون الجرائم الإلكترونية، القانون ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ في قمع الحريات الدينية، حيث يستخدم في اعتقال من يعبر عن آراء دينية وإن كانت إسلامية لكن لا تقرها الدولة. وأشار التقرير أيضًا إلى الاستخدام غير المراقب للمنع القضائي من السفر، وعرض التقرير حالة باتريك زكي، طالب الدراسات العليا بجامعة بولونيا في إيطاليا، الذي تم اعتقاله في ٢٠٢٠ بعدما نشر مقالًا حول التمييز الديني ضد الأقباط في مصر. وكذلك أشار التقرير إلى رامي كامل الذي تم اعتقاله في ٢٠١٩ حتى يناير ٢٠٢٢، والذي طلب منه التوقيع على وثيقة تفيد منعه من السفر لمدة عام، بعدها تم تمديدها إلى عام آخر.
وأخيرًا أشار التقرير إلى حالة المدون القرآني رضا عبدالرحمن، الذي تعرض للاعتقال في أغسطس ٢٠٢٠ بتهمة الانضمام إلى تنظيم داعش، وتم إطلاق سراحه في فبراير ٢٠٢٢، لكنه لم يتمكن من السفر أثناء محاولته في مايو ٢٠٢٢، ومارس ٢٠٢٣.