شيخ الأزهر: الطلاق الشفوي بدون إشهاد صحيح

2023-04-13 . تطورات سياسية . مؤسسات إسلامية

13 إبريل 2023

قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن الطلاق بدون إشهاد صحيح بشروطه، مشيرًا إلى أن هناك أمورًا تتعلَّق بموضوع “الطَّلاق” في الإسلام وتمسُّه مَسًّا مُباشرًا، منها مسألةُ الطَّلاق الشَّفهي أو “الإشهادِ على الطلاق” أو: «توثيقِ الطَّلاق» أو غير ذلك من الأسماء التي قد تتداخل معانيها وتحتاج إلى شيءٍ من البيان والتحديد.

وأكد شيخ الأزهر أن هذا الرأي هو الذي اعتمده علماء أهل السُّنَّة في هذه المسألة، وهو عدمُ اعتبار الإشهاد في وقوع الطَّلاق. ثم وصل الأمر إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف التي ناقشت الموضوع مناقشة تفصيليَّة على مدى ستة أشهر، ثم أصدرت بيانها للناس في يوم الأحد الثامن من جمادى الأولى عام ألف وأربع مئة وثمانٍ وثلاثين، الموافق الخامس من فبراير عام ألفين وسبعة عشر، وكان أهم ما ورد في بيانها هو:  أوَّلًا: وقوع الطلاق الشَّفهي المستوفي أركانَه وشروطَه دون اشتراط إشهاد أو توثيق.  ثانيًا: يجب على المطلِّق في كل الأحوال والظروف أن يسارع إلى توثيق طلاقه فَوْرَ وقوعِه، حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وحقوق أبنائها.

وأضاف الطيب خلال برنامجه الذي أذيع بشهر رمضان “الإمام الطيب”، أن ما يُمكن قوله في هذا المقام هو: بيانُ ما وَرَدَ في أول سورة الطَّلاق مما يتعلق بهذا الشأن، فقد وردت في أوَّلِ آيتين من هذه السورة تكاليفُ في صيغة أوامر، تُــبَيِّن للمُسلِمين أنَّه: إذا عزم أحدهم على طلاق زوجته فعليه أنْ يُطلقَها في بدايةِ عِدَّتها، وفي طُهْرٍ لم يتماسَّا فيه، وأن يتَّقوا الله في ذلك، وألَّا يُخْرجوا المطلَّقاتِ من بيت الزوجية أثناء عِدَّتهن، وألَّا يَخرُجْن من تلقاء أنفسهن حتى تنقضي عدتهن، اللهم إلَّا في حالةٍ نادرة الوقوع، هي حالة اقتراف الفاحشة، اقترافًا بَيِّنًا واضحًا لا مجالَ فيه لشكٍّ أو اشتباه.

 ثم تُذكِّرهم الآية بأن هذه حدودٌ حدَّها الله تعالى، لا يجوز لمؤمنٍ أن يَتعدَّاها. فمَدارُ هذه الآية الأولى هنا هي على بقاء المطلَّقة في بيت الزوجية مع زوجها، والسِّرُّ في ذلك ما تنصُّ عليه الآية من رجاءِ أنْ يُحْدِثَ اللهُ تعالى من الأسباب -في فترة العِدَّة- ما عساه أنْ يحمل الزوجَ على تغيير رأيه في زوجته فيُراجعَها قبل أن تخرج من عِدَّتِها.

وتابع  أن الآية الثانية تأتي لتُبيِّن أنَّه إذا لم يحدثْ بينهما جديد، وأوشكت عِدَّة الزوجة على الانتهاء فليس أمام الزوج -شرعًا- إلَّا أحدُ أمرين: إمَّا أنْ يراجع زوجته بالمعروف، وإمَّا أنْ يُفارقها بالمعروف أيضًا، بأن يعطيها حقوقها، ويتركَها وشأنها من غير طلاق، وعلى الزوج حينئذٍ أن يُشْهِدَ شاهدي عدل على ما يتخذه من هذين الموقفين: الرجعة أو المفارقة.

وقال شيخ الأزهر، إن جمهرةَ أئمَّة مذاهب أهل السُّنَّة قاطبةً ذهبت إلى أنَّ الأمر بالإشهاد في الطلاق هو على سبيل الاستحباب والندب، وليس على سبيل الوجوب واللزوم، وأنَّ مَن يُطلِّق زوجته بدون إشهاد لا إثم عليه، وطلاقه واقع، إذااستكمل شروط الوقوع، وأهمها: ألَّا يكون الطَّلاق في حالة غضب أو حالة اضطرار.. وحُجَّة الجُمهور على ما ذهبوا إليه من وقوع الطَّلاق بغيرِ إشهادٍ أنَّه: “لم يُنقل عن النبي ﷺ، ولا عن أحدٍ من أصحابِه قول بأنَّ الإشهاد شرطٌ في الطلاق”. وكذلك استدلُّوا بأنَّ الأمر بالإشهاد على الطلاق مثل الأمر بالإشهاد على البيع.

وأشار شيخ الأزهر إلى أنه قد خالف ما ذهب إليه جمهور أهل العلم فرقتان: علماء الشيعة الجعفريَّة الذين ذهبوا إلى أنَّ الإشهاد شرطٌ في صِحَّةِ الطَّلاق، ويَلْزمُ ذلك أنَّ مَن يُطلِّق زوجته بدون إشهاد فطلاقُه لاغٍ كأن لم يَكُن حتى ولو تكرر عشرات المرَّات. والفرقة الثانية: هي فرقة الظَّاهريَّة التي ذهبت إلى أنَّ الإشهاد واجبٌ مأمور به في الآية الثانية من سورة الطلاق أمرًا على سبيل الوجوب في الطَّلاق وفي الرجعة، بمعنى: أنَّ مَن يُطلِّق بدون إشهاد آثم ومُذنب، غير أنَّ ابن حزم، وهو من كبار أئِمَّة هذا المذهب، يؤكِّد على أنَّ المُطلِّق بغير إشهاد، وإن كان آثمًا، إلَّا أنَّ طلاقه صحيح ويقع، ويمثِّل لذلك بالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنها تقع صحيحةً وإنْ كان صاحبها قد ارتكبَ إثمًا بصلاتِه فيها.

واختتم شيخ الأزهر حلقته بأن خُلاصَة الأمر أنَّ هيئة كِبار العُلماء تُشجِّع على توثيق الطَّلاق، وتُطالب بسَنِّ قانون يُلزم الزوج بالتوثيق، ولكن لا تستطيع الهيئة أن تفتي بأن الطَّلاق المستوفيَ للشروط إذا صدر من الزوج بدون إشهاد أو توثيق لا يقع، وكأنَّه لم يكن، بل ترى أن هذا الرأي مخالف لما استقرَّ عليه جمهور فقهاء أهل السُّنَّة، بل جمهور المسلمين.. وأنَّ مذاهب الفقه التي يجري عليها العمل في أقطار أهل السُّنَّة، والتي تُدرَّس في الأزهر منذ أكثر من ألف عام وحتى اليوم ليس فيها هذا الرأي. وقال شيخ الأزهر بعد عرض ما جاء في بيان هيئة كبار العلماء: ونحن نرى أننا إذا أردنا أن نُناقشَ هذا الأمر، ونصل فيه إلى رأي جديد شرعًا، فإنَّه لا مفرَّ لنا من عقدِ مؤتمرٍ عالميٍّ جامع، يضمُّ علماء متخصصين ممثلين لدول العالم الإسلامي، يجتمعون فيه ويناقِشون وينتهون إلى رأيٍ يصبح هو الرأي المعتمد بالإجماع أو الأغلبية. إذْ من المعلوم أن ما ثبت بالإجماع لا يتغيَّر إلَّا بإجماعٍ مُماثل.