17 فبراير 2017
علق شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ﻷول مرة على قضية الطلاق الشفوي التي أثارها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال الطيب في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية: “سأتعرض لما أثير مؤخرًا في كثير من وسائل الإعلام والرأي العام عن قضية (الطلاق الشفهي) من الناحية العلمية فقط، ولا أريد أن أدخل في المتاهات الأخرى والردود على ما يكتب أو يقال أو يبث في القنوات، لأن هذا من وجهة نظري تضييع للوقت وللجهد معًا، فقط أحب أن ألفت نظر المشاهد الكريم إلى أن المزايدة على الأزهر في هذا الموضوع تجاوزٌ للحد، وأيضًا تجاوزٌ للحق”.
وتابع “وكنا نتمنى من بعض المنتسبين للأزهر ألا يقحموا أنفسهم في القضايا الفقهية الشائكة، وأن يتركوا للمجامع والهيئات المتخصصة في الأزهر الشريف بيان الحكم الشرعي في هذه القضية _قضية الطلاق الشفهي_ ولدينا وثائق علمية حتى لا يزايد علينا في الصحف ولا في القنوات”.
“منذ عام و3 شهور تقريبًا كان هناك مؤتمر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف في مدينة الأقصر وكنت حاضرًا فيه وألقيت كلمة بعنوان (رؤية العلماء حول تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف)، وهو مؤتمرٌ عادةً ما يدعى فيه ممثلون للعالم الإسلامي حيث قلت فيه بالتحديد، على العلماء أن يجتهدوا ويجددوا الأنظار فيما يتعلق بالأمور السياسية، كالديمقراطية، لأن كثيرًا من الجماعات والتيارات للأسف الشديد التي تملك أبواقًا تتحدث عن أن الديمقراطية ليست من الإسلام وأنها كفر، فواجب العلماء في كل العالم أن يتصدوا لمثل هذه القضية”.
واستطرد شيخ الأزهر “وكذلك قضية حقوق الإنسان، فهل حقوق الإنسان الأوروبي هي النموذج الذي يجب أن يعمم على العالم، ويجب على المسلمين جميعًا أن يبيحوا الشذوذ الجنسي والإجهاض، أو هي حقوق الإنسان الشرقي المتدين بدينٍ له حقوق تختلف عما يدعيه أنصار حقوق الإنسان في الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ قرون وانتهى الأمر؟”.
وتابع “أنا شخصيًّا تحدثت مع كثير من الأوروبيين عن موقف بعض المؤسسات الدينية من الزواج المثلي، والتي للأسف الشديد تعترف به كحق من حقوق الإنسان ولا تدينه بشكل رسميٍّ أو بشكل قانونيٍّ، لأن القانون أباحه عندهم، فعند بعض الغربيين استعداد للتنازل عن الدين مقابل الديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان، لأن حقوق الإنسان هناك ليست مرتبطة لا بإطار ديني وإنما بإطار مصلحيٍّ منفعيٍّ، أما عندنا فلا نستطيع أن نعتبر أن هذا حق، لأنه على الفور سيصطدم بالدين الذي نرتبط به، وبالتالي أؤكد لأدعياء العلم الشرعي _وبعضهم للأسف ينتسب إلى الأزهر_ والذين يعبثون بأحكام الدين، أن كل محاولاتهم ستذهب أدراج الرياح”.
واستكمل الشيخ الطيب “وطالبت في هذا المؤتمر _مؤتمر وزارة الأوقاف_ بالنظر في الحرية وحدودها، والمساواة الدستورية والقانونية ومشروعية الدستور والبرلمان، التي يفتى فيها إلى الآن بأن هذه أمور ليست من الإسلام، لأنها تخدمهم في قضية العودة إلى الخلافة، فهذه كلها قضايا ملغومة تحتاج من إعلامنا أن يدافع عن هذه القضايا”.
“ثم قلت وقضايا المرأة _وأكرر مرة أخرى في 14 نوفمبر قبل إثارة قضية الطلاق الشفوي، لأني أتعايش مع الناس وأعرف ماهية مشاكل المرأة وما تعانيه_ وكذلك قضية تولي المرأة منصب القضاء، والولاية العامة، كل هذه القضايا يجب أن يكون للعلماء وللمجامع الفقهية رأي فيها، والزي والنقاب، لأن بعض الناس حتى الآن يؤمن بأن النقاب فرض وأن المرأة التي لا تنتقب ليست كاملة الإيمان، فلا بد من توعية الناس بالحكم الشرعي في مثل هذه المشكلات”.
وأضاف: “ولا يخفى على الجميع أن المرأة لا زالت تخضع لعادات وتقاليد تَحرمها من حقوقها الشرعية، كحقها في الميراث واختيار الزوج، فهناك عادات وتقاليد تقدم على الشرع في أماكن كثيرة، وكان على الإعلام أن يسلط الضوء عليها وعلى مثلها من القضايا التي لم تمس”.
“وأوضح أن من قضايا المرأة أيضًا التي تناولها في كلمتي بعض العادات التي تحرمها من حقوقها الشرعية كحقها في الميراث، فالبعض يحرم البنت من الميراث، وهذه مشكلة لا تقضي عليها القوانين، وإنما يقضي عليها تثقيف وتوعية الطبقة التي تنتشر فيها هذه المشكلة، فأين القنوات الفضائية من هذه المشكلات؟! أليستْ مصرية؟ وأين الإعلام من سنة 1952 حتى الآن؟ هل يقبل أو يعقل أنه في القرن الواحد والعشرين لا زالت هناك مشاكل من جنس هذه الأساطير التي تحرم الشاب والشابة من أبسط حقوقهم بحجج واهية لا يقبلها لا الشرع الشريف ولا العقل السليم؟!”.
وتابع الشيخ الطيب “إن المشكلة تكمن في أن كثيرًا من القضايا تُتخيَّل ثم تطرح في المكاتب المكيفة التي لا صلة لها بالواقع المعيش، وهذا خطأ مبين، فلا بد من النزول إلى الناس والمشي ومخالطتهم لمعرفة مشاكل الناس ومن ثَمَّ وضعها أمام المختصين كل في مجاله، والاجتهاد لإيجاد حلول لها”، مشيرًا إلى المرأة لها حق في “اختيار الزوج فحتى الآن البنت قد لا يؤخذ رأيها في الزواج، وهذا موجود في مصر، ومصر ليست هي القاهرة والإسكندرية بل هي عمق ممتد وأكثر تعداد الشعب خارج القاهرة وخارج الإسكندرية”.
” وكذلك تحدثت عن حمايتها من عضل الوليِّ لها، وكذلك مسألة الاختلاط في العمل، والدعوة لرجوع المرأة إلى بيتها، فكل هذه المشكلات لا تحلها بالقوانين المجردة، وإنما لا بد من تثقيف وتوعية الناس، فمصر على امتدادها فيها مساجد ولا توجد حارة إلا وفيها مسجد، ويجب أن يكون لهذه المساجد أثر ودور في علاج مثل هذه الكوارث”.
ونوه الإمام الأكبر إلى أنه تناول هذه القضايا والمشكلات وتوقف أمامها من أكثر من سنة، وقال: “في مايو 2016 تناولت قضية الإشهاد على الطلاق _يعني من 8 أشهر تقريبًا_ وليس كما تناولتها القنوات الفضائية من أيام وبحديث جارح للعلم وللعلماء وللأزهر، وقد كلفنا مجموعة من العلماء من كلية الشريعة واتصلت بالسيد وزير العدل لتحديد أحد القضاة المهتمين بقضايا الزواج والطلاق والأحوال الشخصية بصفته أقدر الناس على تقييم الواقع الأليم الذي تشهده محاكم الأسرة، وتفضل سيادته بتعيين قاضٍ متخصص في الأحوال الشخصية، وبدأنا العمل من 9 مايو 2016”.
وتابع “وحرصًا مني على عدم الاعتماد على المصادر الفقهية المعروفة المدروسة في المذاهب الأربعة التي تجمع على أن الطلاق لا يحتاج إلى إشهاد بحثنا عن الآراء المخالفة التي تشترط الإشهاد حتى يكون هناك من لا يقول بالإشهاد ومن يقول بضرورة الإشهاد وفى آخر الأمر يأتي حكمنا على المسألة من واقع دراسة الآراء المختلفة وحججها، ومن ثَمَّ كلفت مجموعة متخصصة من مكتبي لجمع النصوص المتعلقة بالمسألة وبالفعل تم جمعها في مجلدين”.
وأضاف “وبدأ البحث وكنا نجتمع كل شهر، حتى القاضي الذي رشحته وزارة العدل كان يقول الإشهاد ليس شرطًا في الطلاق والقول بغير ذلك هو خروج على إجماع جمهور العلماء، وكانت هناك آراء قليلة ترى الاستمرار في البحث في الإشهاد على الطلاق وأنا كان رأيي من هذا في بداية الأمر لكن مع البحث وعدم التسرع في الفتوى، لأن أي قرار من هيئة كبار العلماء الكل سيلتزم به فهذه مسؤولية، وهناك أكثر من مسألة مطروحة وهذا تجديد للفكر الديني فيما يتعلق بمشاكل الأسرة ومشاكل المرأة سواء في الطلاق أو في الزواج”.
واختتم حديثه قائلًا: “وكان لي كلمة أخرى في مؤتمر دار الإفتاء أمام المفتين في العالم العربي والعالم الإسلامي، وكان لي أيضًا تذكير للسادة المفتين بأن هناك قضايا نحن غافلون عنها ويجب أن نلتفت إليها، وكان أول موضوع فيها هو موضوع الطلاق والزواج وسميته فوضى الطلاق وفوضى الزواج، وأقول هذا لينتبه المشاهد إلى أن هذه المزايدة التي تسهر عليها قنوات ويستدعى لها من يعرف ومن لا يعرف هذه مزايدة مرفوضة”.