1 مارس 2017
ألقى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بيانًا بعد انتهاء مؤتمر “الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل”، الذي استمر يومين، وحضره أكثر من مئتي شخصية من ستين دولة من “النخب الدينية والمدنية والثقافية والسياسية والإسلامية والمسيحية من الدول العربية ومن العالم، كما شارك فيه كثير من رجال السياسية والثقافة والأعلام في مصر”.
دافع بيان الأزهر عن مفهوم المواطنة مؤكدًا أنه “مصطلحٌ أصيل في الإسلام شعَّت أنوارُه الأولى من دستور المدينة المنورة”، موضحًا أن “تبنِّي مفاهيم المواطنة والمساواة والحقوق يَستَلزِمُ بالضرورة إدانةَ التصرُّفات التي تتعارَضُ ومبدأ المواطنة من مُمارساتٍ لا تُقِرُّها شريعةُ الإسلام”.
وتابع البيان شرح مبادئ المواطنة التي تتمثل في الدولة الوطنية الدستورية التي تراعي المساواة وحكم القانون، كما طالب البيان المثقفين والمفكرين أن يتنبهوا لخطورة استمرار استخدام مصطلح “الأقليات”، الذي يحمل في طياته معاني التمييز والانفصال بداعي التأكيد على الحقوق.
وجاء في نص البيان:
“تلاقى المجتمعون على إصدار “إعلان الأزهر” متضمنًا البنود التالية:
أولًا: إنَّ مصطلح “المواطنة” هو مصطلحٌ أصيل في الإسلام، وقد شعَّت أنوارُه الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كُتُبٍ. ولأنَّ هذه الثوابت والقِيَمَ والأعراف السَّمحة تَعرَّضت _ولا تزال تتعرَّضُ_ لتحدياتٍ داخلية وخارجية، فإنَّ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين ومسيحيِّي الشرق يَلتَقُون اليومَ من جديدٍ على الإيمان بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين في الأوطان والحقوق والواجبات، باعتبارهم “أُمَّة واحدة، للمسلمين دِينُهم، وللمسيحيين دِينُهم”، اقتداءً بما نصَّ عليه النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ في دستور المدينة. وعليه فإنَّ المسؤوليَّات الوطنيَّة مسؤوليَّاتٌ مشتركةٌ بين الجميع.
ثانيًا: إنَّ تبنِّي مفاهيم المواطنة والمساواة والحقوق يَستَلزِمُ بالضرورة إدانةَ التصرُّفات التي تتعارَضُ ومبدأ المواطنة، من مُمارساتٍ لا تُقِرُّها شريعةُ الإسلام، وتنبني على أساس التمييز بين المسلم وغيرِ المسلم، وتترتَّبُ عليها ممارسات الازدراء والتهميشِ والكَيْلِ بمِكيالَيْن، فضلًا عن المُلاحَقة والتضييق والتهجير والقتل، وما إلى ذلك من سلوكيات يَرفُضها الإسلام، وتَأباها كلُّ الأديان والأعراف.
إن أولَ عواملِ التماسُكِ وتعزيزِ الإرادة المشتركة يَتمثَّلُ في الدولة الوطنيَّة الدستوريَّة القائمة على مبادئ المواطنة والمساواة وحُكم القانون، وعلى ذلك فإنَّ استبعادَ مفهوم المواطنة بوصفه عقدًا بين المواطنين، مجتمعاتٍ ودولًا يُؤدِّي إلى فشَلِ الدول، وفشَلِ المؤسَّسات الدِّينيَّة والنخب الثقافية والسياسية، وضرب التنمية والتقدم، وتمكين المتربصين بالدولة والاستقرار من العبث بمصائر الأوطان ومُقدَّراتها.
كما أنَّ تجاهُلَ مفهوم المواطنة ومُقتَضياته يُشجِّع على الحديث عن الأقليّات وحُقوقِها. ومن هذا المنطلق يتمنَّى الإعلان على المثقفين والمفكِّرين أن يتنبهوا لخطورة المضيِّ في استخدام مصطلح “الأقليات”، الذي يحمل في طياته معاني التمييز والانفصال بداعي التأكيد على الحقوق، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة صُعود مصطلح “الأقليَّات” من جديدٍ، والذي كُنَّا نظن أنَّه ولَّى بتَولِّي عهود الاستعمار، إلا أنه عاد استخدامُه أخيرًا للتفرقة بين المسلمين والمسيحيِّين، بل بين المسلمين أنفُسِهم، لأنَّه يُؤدِّي إلى تَوزُّع الوَلاءات والتركيزِ على التبعيَّة لمشروعاتٍ خارجيَّة.
ثالثًا: نظرًا لما استشرى في العقود الأخيرة من ظواهر التطرف والعنف والإرهاب التي يَتمسَّحُ القائمون بها بالدين، وما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات الأخرى في مجتمعاتنا من ضغوطٍ وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإن المجتمعين من المسيحيين والمسلمين في مؤتمر الأزهر يُعلِنون أن الأديان كلها بَراءٌ من الإرهاب بشتى صوره، وهم يدينونه أشد الإدانة ويستنكرونه أشد الاستنكار.
ويطالب المجتمعون من يربطون الإسلام وغيره من الأديان بالإرهاب بالتوقف فورًا عن هذا الاتِّهام الذي استقرَّ في أذهان الكثيرين بسبب هذه الأخطاء والدَّعاوى المقصودة وغير المقصودة.
رابعًا: إنَّ حماية المواطنين في حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم وسائر حقوق مواطنتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، صارت الواجب الأول للدُّوَلِ الوطنيَّة التي لا يصح إعفاؤها منها، صونًا لحياة المواطنين وحقوقهم، ولا ينبغي بأيِّ حالٍ من الأحوال مزاحمة الدولة في أداء هذا الواجب، أيًّا كان نوع المزاحمة.
والتاريخ القريب والبعيد حافل بالأمثلة الواضحة التي تُؤكد أن ضعف الدولة يُؤدِّي إلى انتهاك حقوق مواطنيها، وأن قوتها هي قوة مُواطِنيها، وإن النُّخَبَ الوطنية والثقافية والمعنيين بالشأن العام في الأوطان العربية كلها، يتحمَّلون جميعًا مسؤولياتٍ كُبرى إلى جانب الدولة في مكافحة ظواهر العنف المنفلت، سواء أكانت لسببٍ ديني أو عرقي أو ثقافي أو اجتماعي.
إننا اليوم مدعوون جميعًا بحكم الانتماء الواحد والمصير الواحد إلى التضامن والتعاون لحماية وجودنا الإنساني والاجتماعي والديني والسياسي، فالمظالم مشتركةٌ، والمصالح مشتركةٌ، وهي تقتضي عملًا مشتركًا نقر جميعًا بضرورته، ولا بُدَّ من تحوُّل هذا الشعور إلى ترجمةٍ عمليَّة في شتَّى مجالات الحياة الدينيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والوطنيَّة.
إن المجتمعين مسلمين ومسيحيين يُجدِّدون عهود أُخوَّتِهم، ورفضهم أية محاولات من شأنها التفرقة بينهم، وإظهار أن المسيحيين مُستَهدَفُون في أوطانهم، ويُؤكِّدون أنه مهما فعل _ويفعل_ الإرهاب بيننا في محاولةٍ للإساءة إلى تجربتنا المشتركة، واستهداف مقومات الحياة في مجتمعاتنا لن ينال من عزيمتنا على مواصلة العيش الواحد وتطويره والتأكيد على المواطنة فكرًا وممارسةً، وهو _سبحانه_ من وراء القصد، وهو حسبُنا ونعم الوكيل”.