10 يناير 2017
قال مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية الدكتور أسامة الأزهري وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب في حوار صحفي مع موقع “مصراوي“: “إن تجديد الخطاب الديني عملية متعثرة تشبه المخاض ومع كامل الاحترام لكل الجهود المبذولة فيها من مختلف مؤسساتنا الدينية، إلا أن ذلك كله دون المستوى المطلوب بكثير، وما زالت الفجوة واسعة جدًّا، حيث أن تيارات التطرف والتكفير والقتل ما زالت تنطلق وتمرح بكل قوة، وتختطف كل يوم عقولًا جديدة من أبنائنا وشبابنا، وفي المقابل تولدت موجات من اللادين، والانطلاق إلى الإلحاد، كل هذا مع وجود احتياج ملح إلى انطلاق وطننا إلى آفاق التقدم والرخاء وتجاوز كل صور التخلف والمرض والفقر، مما تشتد معه الحاجة إلى الأزهر في الدعم المعنوي لشعب مصر العظيم ليتجاوز أزماته، ويعيد تشغيل ثرواته”.
وتابع الدكتور أسامة الأزهري “مرت عقود وقرون ووطننا العظيم يجد في الأزهر الشريف مسعفًا ومنقذًا شديد السرعة والفاعلية في الأخذ بيد الوطن في أوقات الشدائد، وظل الأزهر فاعلًا ومؤثرًا وسابقًا، وعلى مستوى الحدث في كل أطوار تاريخ مصر العظيم، بحيث لا تفتقده مصر أبدًا في وقت عصيب إلا ووجدت الأزهر يفتدي الوطن بنفسه وأبنائه، فترسخت علاقة إستراتيجية عميقة بين مصر وبين الأزهر الذي صار ابنًا بارًّا بالوطن، ومؤسسة إستراتيجية من أهم مؤسسات الوطن في أمنه القومي ودوره الرائد لكل الشعوب العربية والمسلمة، ولأجل كل هذه الخلفية فإن اضطراب الأداء من مؤسسة الأزهر في ظروفنا الراهنة، وشدة تباطئه وعدم مسارعته، يترك في نفوس المصريين عتابًا كبيرًا”.
واستطرد قائلًا “وظهر هذا مرات في كلمات رئيس الجمهورية على مدى سنتين ماضيتين، كان آخرها احتفال المولد النبوي الماضي الذي فرق فيه بين احترام شخص الإمام الأكبر وأننا جميعًا نحبه ونقدره ونحترمه، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد، وبين شدة العتاب على قصور الأداء من المؤسسة، حتى ختم الرئيس كلامه بقوله: “الناس في العالم كله تنظر للأزهر لإحياء القيم الأصيلة، ولا تنظروا إلى جديتي في الكلام إلا أنها غضبة لله”.
وتابع مضيفًا “وهناك من يعمل على إخراج تيارات إسلامية متطرفة تحمل السلاح وتكفر الناس وتقتلهم، والعمل على أن يعادي الأزهر بعضه بعضًا، فهو عمل طويل الأمد، وصبور جدًّا، يستهدف التفكيك، ويعمل على تزوير الوعي وتزييفه”.
وعن طرق تجديد الخطاب الديني قال “المؤتمرات والندوات وجه من وجوه الأداء، لكن اختزال الدور المطلوب فيها يدل على قصور شديد في الرؤية وإدراك المهام المطلوبة، ربما كانت الندوات والمؤتمرات نافعة في الأوقات الطبيعية، لكننا في مرحلة استثنائية تواجه فيها مصر حربًا شرسة تريد هدم هذا الوطن العظيم، مما يوجب علينا جميعًا نسيان ونكران الذات والاصطفاف الوطني والاستنفار الدائم في مؤسساتنا كلها، لتنطفئ نيران الإرهاب، ونعيد تشغيل عجلة الاقتصاد، وننطلق إلى تشغيل كل حقل وكل ميناء وكل مصنع، فنحن أمام وطن يعيد بناء نفسه”.
وأضاف “بكل تأكيد، التعريف المحدد لتجديد الخطاب الديني هو إعادة صناعة وعي ديني ووطني وإنساني جذاب ومنير ولافت للنظر ومؤسسي ومدرك للواقع بكل تعقيده وملابساته، وقادر على الخوض فيه ومواجهته بنجاح، بحيث يحاصر فكر التطرف والتكفير ويفنده ويفككه، ويحرز في هذا نجاحًا يلمسه الناس، ويعيد بناء الإنسان المصري الجاد العبقري المبدع الرائد، ويعيد تشغيل مصانع الحضارة في الفكر المسلم حتى يرجع لقراءة القرآن فيستخرج منه الحضارة والتمدن والحياة والإحياء، وكل هذا لا بد فيه من عمل منظومي مؤسسي، وفرق عمل، تعتمد على ورش عمل وخطط تنفيذ ومتابعة وحوكمة”.
واستطرد قائلًا “تجديد الخطاب الديني، هو طاقة إبداعية روحية جديدة، تنطلق داخل العقول قبل أن تتحقق على أرض الواقع، وتستطيع مواجهة فكر الخوارج الجدد بمختلف صوره وراياته وشعاراته ومقولاته، والانتصار السريع عليه، والشيخ محمد أبو زهرة قال: “إنما التجديد هو أن يُعاد إلى الدين رونقه، ويُزال عنه ما علق به من أوهام، ويُبين للناس صافيًا كجوهره، نقيًّا كأصله”.
وتحدث مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية الدكتور أسامة الأزهري وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب عن تعامل المؤسسة الدينية مع بعض قضايا الرأي والتعبير قائلًا “تعاملت المؤسسة الدينية مع هذه القضية بوجوه مختلفة من الأداء، بعضها جيد ونافع وبعضها متسرع، ومن أسوأ وجوه التعامل هو اللجوء للقضاء، وإقحامه في هذه القضايا، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، والحل هو العلم والفكر، والنقاش العلمي الجاد الهادئ العميق، البعيد عن الصخب والضجيج، لأنه لا يمكن أن تولد أطروحات فكرية وعلمية جادة في جو الصخب والمشاعر المتأججة، وتبادل الاتهامات، ومحاولة كل طرف إثبات الذات والانتصار على الخصم، فهذا الجو يكون خانقًا للفكر، ويكون غرضه التشفي والانتصار، فالمطلوب تجاوز ذلك كله، وإعادة تفعيل صالونات الفكر، وورش العمل، بما يتيح المجال للعقول أن تفكر وتبدع، وتغوص في مشكلاتنا وأزماتنا للوصول إلى حلول، وتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن لنا جميعا الاحترام المتبادل، واستقرار المجتمع”.