الجمعة 22 ديسمبر 2017
تعرضت كنيسة الأمير تادرس في قرية كفر الواصلين بمركز أطفيح محافظة الجيزة للاعتداء والتخريب على أيدي مئات من مسلمي القرية، بعد انتهاء صلاة الجمعة، أغلبهم كانوا من المصلين بمسجد الشيخ عبد الحميد الذي يبعد أمتارًا قليلة عن الكنيسة، وعدد من المساجد الأخرى المنتشرة بالقرية، وذلك في ظل غياب الأمن تمامًا، وهم يرددون هتافات دينية وأخرى عدائية ضد الأقباط، وتطالب بهدم الكنيسة، وقد انتشرت مقاطع فيديو على مواقع الإنترنت تظهر عشرات أمام مبنى الكنيسة، وهم يرددون هتافات من بينها: “بالطول بالعرض هنجيب الكنيسة الأرض” وصور تظهر حجم التخريب الذي طال الكنيسة.
تقع كنيسة الأمير تادرس داخل قطعة أرض تبلغ مساحتها إجماليًّا 1200 متر مربع، بداخلها مبنى الكنيسة، عبارة عن دورين. كانت الأرض مملوكة لمسيحي يدعى عيد إبراهيم عطية، وقد وافق على استخدام المبنى منذ 2001 ككنيسة للصلاة بداخلها بموافقات شفهية من الأجهزة الأمنية، وبمعرفة أهالي القرية المسلمين. في العام 2014 باع عيد إبراهيم الأرض رسميًّا للأنبا زوسيما أسقف أطفيح، وتم توثيق ذلك، وهدم المبنى حيث كان من الطوب اللبن، وأعيد بناؤه بدون وجود منارة أو أية مظاهر دينية مسيحية من الخارج.
قال ميلاد عيد نجل عيد عطية في شهادته1: “إحنا بنصلي في الكنيسة من 2001، المكان في الأول كان بالطوب اللبن والسقف خشب وجريد، لكن في 2014 تم تجديد المكان، وعملنا دورين بنصلي فيهم كل يوم سبت، ونقدم خدمة للناس، وأحيانًا ننظم قوافل طبية وتحاليل وعلاج لفيروس سي للمسلمين والمسيحيين”.
وهو ما أكده هاني سمير محامي مطرانية أطفيح للمبادرة المصرية2 “المبنى تم بيعه من عيد عطية لمطرانية أطفيح بعقد ابتدائي موقع من الطرفين عام 2014، وأقرت النيابة صحة التوقيع وصحة العقد، وقد تقدمت الكنيسة بأوراقها إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس المقامة بالفعل بدون ترخيص وفقًا لقانون بناء الكنائس.”
كانت تسود القرية أجواء من التوتر قبل الاعتداءات بعدة أيام، وكانت هناك مؤشرات لوقوع عنف وفقًا لمصادر متنوعة حصلت المبادرة على إفادات متنوعة منها، بالإضافة لوجود “صفحة” للتحدث باسم أهالي القرية على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك تتضمن عددًا من الشعارات لحشد أهالي القرية المسلمين للتظاهر والاعتداء على المبنى وهدمه بحجة تحويله إلى كنيسة.3
بناء على هذه الدعوات أخطرت مطرانية أطفيح القيادات الأمنية بمخاوفها من وجود احتمالات للاعتداء على كنيسة الأمير تادرس بكفر الواصلين ومنازل الأقباط، لا سيما مع تصاعد الحشد للاعتداءات وخطابات التحريض، ثم حرر القس مرقص كاهن الكنيسة بلاغًا يفيد تلقيه تهديدات بتدمير الكنيسة، مؤكدًا أن المبنى مملوك لمطرانية أطفيح ويخضع لإشرافها الديني.
قال الأنبا زوسيما أسقف أطفيح4: “الأمن كان على دراية أن فيه جروبات على فيسبوك تدعو للاعتداء على الكنيسة وقبلها بفترة، الأمن إتكلم معانا إن فيه شائعة أو ناس عملوا بلاغ إننا دخلنا جرس للكنيسة، فإحنا قلنا للأمن هو فيه منارة عشان ندخل لها جرس.. ولو إحنا دخلنا جرس ده يزعل مين.. لكن إحنا مدخلناش ﻷن المكان لا يستوعب جرس ومفيش أي علاقة للشائعة دي بالصح، وجم ناس من المركز ومجلس المدينة وشافوا المكان وعاينوا ملقوش حاجة.”
قبيل الاعتداءات بعدة ساعات، تواجد عدد من أفراد الشرطة لحراسة المكان، لكنهم انسحبوا قبل دقائق من انتهاء صلاة الجمعة، ولم يتواجدوا بالمكان وقت الاعتداءات، وحاول عدد من المسيحيين المتواجدين في الكنيسة والمسئولين الدينيين التواصل عدة مرات مع مأمور مركز أطفيح والقيادات الأمنية لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
قال عيد عبد الشهيد5: ” وصل يوم الجمعة الساعة 10 الصبح، أفراد من أمن الدولة والمركز ومن غفر العمدة، جم الكنيسة، وقعدوا يلفوا حواليها، لكن قبل انتهاء صلاة الجمعة بخمس دقايق انسحبوا كلهم والكاميرات مصوره ده، وسابوا الكنيسة تمامًا.
لما الأمن مشي كان معانا مسئولي الكنيسة اتصلوا على المأمور كتير يستغيثوا بيه عشان تجمهر الناس إللي جاي على الكنيسة لكن محدش رد. الناس اتجمهرت حوالين الكنيسة، واقتحموها وكسروا كل حاجة جوه.”
اقتحم العشرات مبنى الكنيسة، بعد تحطيم كاميرات المراقبة، وتكسير الباب المؤدي إلى مبنى الكنيسة المكون من دورين، ثم اقتحموا القاعات، ثم دخلوا الكنيسة وقاموا بتكسير المذبح والأدوات الدينية، وحطموا المقاعد الخشبية وتم سرقة بعض شاشات العرض. وبالرغم من وصول قوات للأمن وسيارة للإسعاف بعد نصف ساعة من بدء الاعتداءات إلا أنها لم تتمكن من الدخول إلى موقع الكنيسة في ظل وجود تجمهر من مسلمي القرية الذين وقفوا يهتفون ويدعمون أعدادًا أخرى كانت تقوم بالتخريب لمبنى الكنيسة. وقد طلب عبد الوهاب خليل عضو مجلس النواب الذي تواجد بالقرية مع بداية الأحداث من الأقباط بحمل المصابين والخروج بهم إلى سيارة الإسعاف، وهو ما رفضه الأقباط مطالبين بتدخل قوات الأمن، وهو ما حدث بعد ساعتين من الأحداث.
وأصدرت مطرانية أطفيح للأقباط الأرثوذكس بيانًا مساء يوم الأحداث قالت فيه إن كنيسة الأمير تادرس بقرية كفر الواصلين تعرضت للاعتداء من قبل مئات الأشخاص الذين تجمهروا أمام المبنى بعد صلاة الجمعة ومرددين هتافات عدائية ومطالبين بهدم الكنيسة، ثم قاموا باقتحام المكان ودمروا محتوياته وأصابوا الأقباط المتواجدين بداخله.
وأسفرت الاعتداءات عن إصابة كل من عيد عطية صاحب الأرض التي بيعت للكنيسة وابنه نادي وابن عمه سمير سعد إبراهيم بكدمات وخدوش.
قال ميلاد عيد نجل عيد عطية: “الناس جت ودخلوا علينا، ضربوا والدي ووقعوه على دماغه وضربوا خالي وزقوه، ثم دخلوا على الكنيسة، دورين كسروا كل إللي فيها، وإحنا سمعنا من قبلها إن فيه ناس هتتجمع، عملنا محاضر”.
وفقًا لبعض الشهادات من الجانب المسلم في القرية، فإن بعض مسلمي القرية قاموا بمعايرة جيران الكنيسة المسلمين وتهكموا عليهم باعتبار أنهم لم يفعلوا شيئًا عند بناء الكنيسة أو استخدامها لممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين، وقد شارك أعداد من الجيران في اقتحام الكنيسة، بعد أن حطموا كاميرات المراقبة.
بينما دعا عبد الوهاب خليل عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن إلى تنظيم جلسة صلح عرفية في اليوم التالي السبت 23 ديسمبر، يتنازل فيها الأقباط عن المحاضر، إلا أن الأنبا زوسيما رفض.
استمعت نيابة الصف برئاسة المستشار محمد علي حمودة لشهادات المصابين الثلاثة، وتم إخلاء سبيل كل من نادي عيد وسمير سعد، بينما أصدرت قرارًا بحبس عيد إبراهيم صاحب الأرض المباعة لمطرانية أطفيح 4 أيام، لاتهامه بتحويل العقار المملوك له لكنيسة تقام فيه الشعائر الدينية بدون تصريح، بينما قدم محامي الإيبارشية لرئيس نيابة الصف أوراقا، تؤكد ملكية الكنيسة للمنزل وتفيد أن الكنيسة قامت بشراء المنزل من مالكه في عام 2014، وقدمت حينها طلبًا لمجلس الوزراء لضم المنزل للكنيسة لإقامة الصلوات فيه، ولكن لم يتم البت في هذا الطلب حتى الآن.
كما أمرت نيابة الصف بحبس 15 متهمًا من المسلمين 4 أيام على ذمة التحقيقات لارتكابهم جرائم إثارة الفتنة الطائفية، واقتحام مسكن بغرض تنفيذ جريمة، وإثارة الشغب والبلطجة والتجمهر، كما أمرت بإيداع حدث متهم باقتحام الكنيسة بدار الرعاية لمدة أسبوع. وأمرت النيابة كذلك، بسرعة ضبط وإحضار 4 من المتهمين في أحداث كنيسة أطفيح.
وكشفت التحقيقات، أن 20 متهمًا بينهم حدث، اقتحموا عقارًا بمنطقة أطفيح، عقب صلاة الجمعة، بعدما حوله صاحبه لكنيسة باسم “الأمير تادرس” بدون ترخيص، وتقام به الشعائر الدينية، وهشموا الكراسي والأيقونات والصلبان.
بينما أكد الأنبا زوسيما أن المبنى كنيسة وملك للمطرانية وقدمت أوراقه إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس وقال: “إحنا قدمنا ورق كنيسة الأمير تادرس للتقنين في لجنة توفيق الأوضاع وفقًا لقانون بناء الكنائس عشان إحنا بنصلي في المكان ده من 15 سنة وعايزين نقننه.. وأقرب كنيسة للمكان ده تبعد كيلو مترات والشعب من قرية كفر الواصلين عشان يروح يصلي هناك لازم يمشي وده مشوار ومفيش مواصلات متاحة تنقلهم غير التوكتوك يعني هيدفع عشرة جنيه رايح وعشرة جنيه راجع، يعني هيروح يصلي بعشرين جنيه، وده مبلغ كبير بالنسبة لأهالي القرية”.
1 شهادة ميلاد عيد نجل المالك السابق للأرض المقامة عليها الكنيسة يوم 23 ديسمبر 2017.
2شهادة هاني سمير محامي مطرانية أطفيح للمبادرة المصرية يوم 24 ديسمبر 2017.
3 لدى المبادرة المصرية نسخة منها.
4 حوار الأنبا زوسيما بقناة مي سات القبطية السبت 23 ديسمبر 2017.
5 إفادة تليفونية من عيد عبد الشهيد من أهالي كفر الواصلين الأحد 24 ديسمبر 2017.