14 إبريل 2018
اعتدت مجموعات من أهالي قرية بني منين بمركز الفشن بجنوب محافظة بني سويف على أقباط بالقرية ومبنى كنسي تحت اسم “كنيسة السيدة العذراء والبابا كيرلس” يستخدم لإقامة الشعائر الدينية مستخدمين الطوب والحجارة والعصي، تعبيرًا عن رفضهم لوجود كنيسة بالقرية. وشهدت القرية توترات قبل عدة أيام من الاعتداءات نتيجة قيام أجهزة الأمن بالتحري واستدعاء عدد من الأقباط لسؤالهم عن وجود كنيسة بالقرية بدون الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات الأمنية.1
بدأت أزمة كنيسة السيدة العذراء والبابا كيرلس بقرية بني منين يوم الأربعاء 11 إبريل، على خلفية اتصالات من مسئولي قسم شرطة الفشن بعدد من الأقباط، ثم استدعاء منصور شحاتة، محامٍ من أقباط القرية وسؤاله عن وجود كنيسة بالقرية دون الحصول على تصريح رسمي.
وقال منصور شحاتة في شهادة للمبادرة المصرية: “تلقيت اتصال تليفوني من أمين شرطة يدعى محمد ربيع مسئول نقطة الشرطة بالقرية يستفسر عن الكنيسة، وقال أمين الشرطة: إنتوا عاملين جمعية وبتصلوا فيها، ورديت: الكنيسة موجودة من زمان ومعروفة وبنصلي فيها. بعدها جاء اتصال تليفوني من النقطة يبلغني إن المأمور عايز يشوفني، رحت قسم شرطة الفشن، وبعد عدة ساعات قابلت الضابط أحمد حسن بالبحث الجنائي، قاللي: إيه إللى إنت قولتله ده يا عم منصور، رايح تقول لرئيس النقطة إنك هتجيب جرس كبير وسماعات وتصلي بصوت عالي. فرديت عليه بأن ده محصلش طبعًا، إحنا بنصلي في المكان من زمان، وهوه دور واحد ولا توجد قبة عشان نركب صليب أو جرس يعني ده مش حقيقي، وقال المأمور: كلامك ده ممكن يعمل فتنة ويولع في البلد وطلب مني أن نكتفي بدار مناسبات تستخدم للعزاء ومنصليش عشان متحصلش زيطة”.
في اليوم الثاني _الخميس_ قام مسئولو قسم شرطة الفشن باستدعاء بباوي حكيم غالي، وهو مالك سابق لجزء من المبنى، وقد باعه إلى رشدي لبيب، مواطن مسيحي بالقرية، الذي بدوره باع المبنى منذ عشر سنوات إلى الأنبا أسطفانوس أسقف ببا والفشن، وقامت نيابة الفشن بالتحقيق مع بباوي غالي، بناءً على محضر حررته الوحدة المحلية لمركز ومدينة الفشن برقم 6969 (جنح مركز الفشن) ضد كلٍّ من بباوي حكيم غالي وبباوي منير سليمان المقيمين بقرية منين واتهمتهما بإدخال تعديلات داخل منزل مملوك لهما وتحويله إلي كنيسة. وقررت نيابة الفشن إخلاء سبيلهما من ديوان قسم الشرطة.
وفي قسم شرطة الفشن، طلب رئيس المباحث من بباوي حكيم التوقيع على محضر إزالة للمبنى لأنه مخالف فرفض التوقيع، ثم طلبوا منه التوقيع على محضر وقف المخالفات فوقع عليه مع إضافة أن المبنى كان ملك والده وقام ببيعه منذ عشر سنوات، وهو حاليًّا عبارة عن كنيسة تقام فيها الشعائر الدينية.
يذكر أن مبنى الكنيسة كان عبارة عن عدة منازل متجاورة، قام أصحابها ببيعها جميعًا إلى رشدي لبيب منصور، الذي ضمها إلى منزله، وبدوره قام ببيع المبنى للأنبا أسطفانوس أسقف ببا والفشن. وحصلت المبادرة المصرية على صورة من عقد مؤرخ في 7 مايو 2010 بين رشدي لبيب منصور والأنبا أسطفانوس، جاء به أن “الطرف الأول باع وأسقط وتنازل للطرف الثاني بصفته مساحة قدرها 460 مترًا مربعًا بناحية بني منين عبارة عن مبنى تقام فيه الشعائر الدينية لطائفة الأقباط الأرثوذكس وبه حجرة القربان وهياكل ودورة مياه ومبنى خدمات، والعقد عليه صحة توقيع بحكم من محكمة الفشن الجزئية بتاريخ 11 مارس 2017. كما حصلت المبادرة على صورة من كشف حصر الكنائس والمباني الخدمية المراد ترخيصها بإيبارشية ببا والفشن”.
وورد في مسلسل 52 من الكشف اسم كنيسة السيدة العذراء والبابا كيرلس بقرية بني مني، وكذلك شهادة صلاحية المبنى للإشغال من نقابة المهندسين المصريين، ومكتوب أن المبنى عبارة كنيسة العذراء والبابا كيرلس دور عبادة.
كانت الصلاة في المبنى تتم بشكل غير منتظم، حيث بدأت بقداس كل شهر ينظم عادة في الساعات الأولى من اليوم، وبحضور أعداد قليلة من الأقباط لعدم لفت الانتباه، ثم تطور مع مرور الوقت إلى قداس أسبوعي، وبحضور من يريد، وعادة ما كان يعقد كل يوم سبت صباحًا.
وقال أحد كهنة إيبارشية ببا والفشن: “إحنا بنصلي في الكنيسة من 2010، حيث باع رشدي لبيب المبنى للمطرانية، وبدأ الصلاة وقتها على فترات متباعدة كل شهر ثم كل 15 يومًا، وكنا بنعمل القداسات بدري قبل ما الناس تروح أشغالها، وبمرور الوقت عملنا القداس كل يوم سبت، يجي أبونا (القس المسئول) يعمل القداس ويمشي، وإحنا في الأيام التانية بنعمل اجتماعات، والمكان كان معروف أننا بنصلي فيه. الكنيسة مبنيه بالبلوك الحجري ومن دور واحد ومسقوفة بالخشب وتقع وسط منازل مسيحيين، ملحق بها دار مناسبات يعقد فيها العزاء، ومن الداخل توجد قاعة الصلاة ومذبحين وكنب خشب وتقام فيها الصلوات. وعندما عمل أهالي القرية بالمبنى لم يعترضوا، وقالوا صلوا فيها لا يوجد مانع ولم يتقدم أي منهم بشكوى رسمية”.
في يوم الجمعة، كان مقررًا قيام عدد من مسئولي محافظة بني سويف ومركز الفشن بافتتاح مسجد اليتيم بالقرية، وفي السادسة صباحًا قام مدير أمن المحافظ وعدد من المسئولين التنفيذية والمحلية بزيارة الكنيسة وتفقدها، واستخدمت قاعة المناسبات كغرفة لإراحة قوات الأمن التي حضرت إلى القرية، ووفقًا لشهادة مسيحيين بالقرية فإن مدير الأمن قال لهم: مبروك عليكم الكنيسة، هذا وقدم عدد من مسيحيي القرية التهنئة ومياه غازية للمصلين عقب صلاة الجمعة على افتتاح المسجد والذين بدورهم قاموا بتهنئة المسيحيين على الكنيسة.
وقد تلقى منصور شحاته اتصالًا تليفونيًّا من أحد أفراد الأمن يدعى عاطف للسؤال عن ميعاد الصلاة القادمة في الكنيسة، للتنسيق مع قوة الحراسة على الكنيسة، وسأل: هل يتم تنظيم قداس صباح الأحد؟ وقال منصور في شهادته: “قررنا تنظيم اجتماع للصلاة مساء السبت (6-8) مساء. وفي الوقت المحدد للاجتماع غادر ثلاثة من أفراد الشرطة هم: شعبان محمد وجمعه عبد الحميد ومحمد جاب الله كانوا يحرسون المبنى من اليوم السابق، وعندما اتصل بهم أحد الأقباط قالوا: إحنا مش في الخدمة وملناش دعوة خلصوا صلاة مع نفسكم”.
بينما أشارت بعض المصادر إلى أن أجواء التوتر عادت إلى القرية عقب نشر أحد أقباط القرية يدعى جمال يوم الجمعة _13 إبريل_ دعوة عن تنظيم احتفال ديني بالكنيسة، عبر صفحته على الفيس بوك، وهو ما اعتبره بعض المسلمين استفزازًا لمشاعر مسلمي القرية، حيث يعتبرون المبنى جمعية وليس كنيسة رسمية. على أثر ذلك، وصلت بعض التهديدات بوجود نية بالاعتداء على المبنى، وبدورها قامت قيادات الكنيسة بإبلاغ مسئولي الأمن الوطني الذين طالبوهم بإلغاء الحفل والتهدئة وعدم النشر على الفيس بوك. وقد أنهى أقباط القرية الاجتماع بعد نصف ساعة من بدايته بناءً على اتصال القيادات الدينية.
مع الساعة السابعة مساء، نظم عشرات من مسلمي القرية مسيرة بشوارعها، خصوصًا في المناطق التي يوجد بها تجمعات مسيحية، وهم يرددون هتافات عدائية، ويرشقون منازل المسيحيين بالطوب والحجارة ويقرعون الأبواب والشبابيك بعنف، ثم توجهوا إلى المنطقة التي بها الكنيسة، وحدث تراشق بالطوب والحجارة ثم جاءت قوات الأمن ووقفت بجوار الكنيسة وضربت كردونًا أمنيًّا وفرضت سيطرتها على القرية، وحرر قسم الشرطة محضر رقم 2003 لسنة 2018 إداري الفشن.
وقال أشرف سمير في شهادته للمبادرة: “بيوتنا حوالين الكنيسة، لما عرفنا بالهجوم كل واحد رجع وقفل باب البيت ويطلع فوق، شباب كتير من القرية معهم زلط وعصيان وبيرموا طوب على البيوت وبيخبطوا على الأبواب وبيشتموا فينا، والكهرباء قطعت مع بداية الهجوم، وفيه ناس حدفت عليهم طوب من فوق البيوت عشان يمشوا، وكمان فيه مسلمين إتدخلوا ومشوا الشباب، مثل الشيخ جمعة عباس دافع عن بيت الأستاذ صبري هوه وزوجته ومشوهم. في الناحية التانية عند الكنيسة، كان فيه شباب مسيحيين لما لاقوا الهجوم قرب الكنيسة رموا طوب عليهم عشان يبعدوهم، استمرت الأحداث حوالى 3 ساعات، والأمن بعدها وصل. الدنيا كانت هديت. وبسبب الهجوم تضررت بعض الأبواب مثل بيت منصور، تم تكسير البوابة والشبابيك وباب مخبز سمير عزيز وزجاج سيارة نص نقل وواجهة صيدلية الدكتور مكرم”.
تجددت الاعتداءات في الثامنة مساء الاثنين 16 إبريل، حيث نظم عشرات الشباب مسيرة تردد هتافات عدائية تجاه الأقباط، ثم أشعلت النيران في حظيرتين للماشية ملك سمير عزيز وعزت عزير، كما أشعلت النيران في حظيرة ملك مواطن مسلم يدعى شحاتة كمال كان قد اشتراها من آخر مسيحي، كما تم إتلاف ماكينتين للري، وحرر محضر 2033 إداري الفشن.
بينما أفاد علي رياض عضو مجلس النواب عن مركز الفشن: “الوضع آمن و مستقر، إللي عمل كده أطفال مش شباب يعني، الوحدة المحلية قالت لهم لو معاه تصريح تمام وفيه شروط للكنائس والمساجد، إذا كانت متوافرة يبنوا الكنيسة مفيش حد فوق القانون، كان فيه مبنى هناك بيتجمعوا يصلوا فيه والأمن مستتب مفيش حاجة وهو حادث زي إللي بتحصل في أي حتة وهتخلص الأمن مسيطر على الوضع الآن”.
فجر الأحد 15 إبريل، قامت قوات الأمن بالقبض على أحد عشر شخصًا من كل طرف، وقامت بإحالة 11 مسلمًا و9 مسيحيين إلى النيابة العامة التي قامت بالتحقيق مع المتهمين، ووجهت إليهم تهم: التجمهر والبلطجة واستخدام أسلحة بيضاء (حجارة) وإثارة الشغب، وقد أنكر جميع المتهمين التهم المسنودة إليهم، وأصدرت النيابة قرارًا بالحبس 4 أيام ثم تم التجديد 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
بينما تم التحفظ على مسيحيين اثنين هما ميلاد محروس عدلي، ناجح حكيم غالي، بحجز قسم شرطة الفشن، ولم يتم إحالتهم إلى النيابة العامة، ثم عقب تجدد الاعتداءات ألقت قوات الأمن القبض على 5 أقباط آخرين: ميلاد رشدي لبيب، عوض عياد صادق، هاني رؤوف عدلي، فرج الله شحاته فرج الله، عماد بباوي، وبذلك أصبح عدد المحتجزين داخل قسم شرطة الفشن 7 مسيحيين.
وعقدت جلسة صلح عرفية بمقر المدرسة الابتدائية بقرية منين بمركز الفشن بمحافظة بني سويف بحضور عدد من القيادات الأمنية ونواب البرلمان ورجال الدين الإسلامي والمسيحي و10 من كل طرف من الطرفين وممثلي عائلات القرية، ووقع ممثلو الطرفين على صلح تم تقديمه للمحكمة، مع إغلاق الكنيسة لحين تقنين أوضاعها والحصول على موافقة رسمية بافتتاحها، على أن تفتح قاعة المناسبات لتلقي العزاء وإقامة الأفراح.
قامت نيابة الفشن بقرار من المحامي العام لنيابات بني سويف بتقسيم الاتهامات إلى جزأين، الأول بخصوص محاكمة المتهمين وعددهم 45 متهمًا منهم 26 مسلمًا (8 حضوريًّا و 18 غيابيًّا) و19 مسيحيًّا (10 حضوريًّا و9 غيابيًّا) في وقائع البلطجة والتجمهر وحيازة وإحراز سلاح أبيض، وقيدت القضية برقم 142 لسنة 2018 أمن الدولة، وأصدرت محكمة جنح الفشن أمن الدولة طوارئ حكمها في 14 مايو 2018 بحبس جميع المتهمين من الطرفين لمدة عام مع إيقاف التنفيذ، وقدم المتهمون محضرًا للصلح العرفي إلى هيئة المحكمة وقع قبل يومين من الجلسة.
أما الجزء الثاني لنفس المتهمين الخمسة والأربعين، فقد وجهت المحكمة إلى المتهمين القيام بعمل من شأنه التمييز بين الأفراد وضد طائفة من الناس ومما يترتب عليه تكدير السلم العام، كما وجهت إلى المتهمين: بباوي حكيم غالي ميخائيل، ومجدي رشدي لبيب منصور، وبباوي منير سليمان أسطفانوس بأنهم قام كل منهم بأعمال البناء والتعديل المبينة بالأوراق بدون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وقضت محكمة جنح الفشن في 22 مايو 2018 بالبراءة لجميع المتهمين.
هذا، وقد تم نسخ القضية وقيدت جنحة طفل، للطفلين المتهمين محمد عبد الوهاب معوض عبد الوهاب وشهرته “محمود هيبه”، وعبد الرحمن ناجي عبد النعيم شمردن، عن اشتراكهما وارتكاب نفس الوقائع، وأرسلت أوراقها إلى نيابة الطفل ببني سويف الكلية للاختصاص.
وفي 21 مايو 2018، أفرجت شرطة الفشن بمحافظة بنى سويف عن 5 أقباط كانوا رهن الاحتجاز لأكثر من شهر منذ الأحداث التي وقعت بقرية بنى منين مركز الفشن فى ابريل 2018، وظل حبسهم دون عرضهم على النيابة، وهم: فرج شحاتة فرج الله، ميلاد محروس عدلي، هاني رؤوف عدلي، عماد بباوي عدلي، عوض عياد صادق.
1حصلت المبادرة المصرية على إفادات متنوعة من أطراف الأحداث، وقابلت عدد منهم، وحصلت على صور الأوراق الرسمية الخاصة بالكنيسة، كما تولت الدفاع عن الجانب المسيحي في القضيتين.