أزمة دير السلطان بالقدسبين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والإثيوبية

2018-10-23 . تطورات سياسية . مؤسسات مسيحية

23 أكتوبر 2018

قامت لجنة هندسية بمعاينة دير السلطان في مدينة القدس بالأراضي المحتلة، والذي يعد محل نزاع بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الإثيوبية، وذلك تحت حماية قوات إسرائيلية، وأقرت بضرورة إجراء بعض الترميمات التي جاءت بناءً على طلب الرهبان الأحباش المقيمين في الدير، إلا أن الجانب القبطي الممثل في الرهبان الأقباط ومطران القدس الأنبا أنطونيوس رفضوا ذلك، وقالوا إن الترميمات بهدف طمس الهوية القبطية بكنائس الدير.

وفي يوم الأربعاء -24 أكتوبر- نظم الرهبان الأقباط برفقة عدد من المسيحيين المناصرين لهم وقفة احتجاجية أمام الدير، وقاموا بمنع دخول العمال والمهندسين الذين أرسلتهم البلدية لإتمام أعمال الترميمات، وتصاعدت وتيرة الأحداث عقب إصرار الرهبان على رفض دخول العمال، الأمر الذي أدي لتدخل قوات الشرطة الإسرائيلية، واعتقلت أحد الرهبان ويدعى مكاريوس الأورشليمي.1

وقال المستشار أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية إن مصر ترفض التعرُّض لرجال الدين، مع التأكيد على ضرورة احترام المقدسات الدينية، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية تتابع عن كثب تطورات الموقف على الأرض، ويستمر التواصل بين السفارة المصرية في تل أبيب والقيادات الكنسية بدير السُلطان في هذا الشأن، كما تم التواصُل مع السلطات الإسرائيلية للوقوف على مُلابسات ودوافع ذلك الحادث، وأسفرت تلك الاتصالات بالفعل عن سرعة إفراج الجانب الإسرائيلي عن الراهب المُعتقل.

وقال البابا تواضروس خلال كلمته في كاتدرائية رئيس الملائكة الخليل ميخائيل بالمهندسين مساء الأربعاء تعليقًا على الأحداث2: “شوفت صور منظرها مش لطيف في الميديا”، وتابع مضيفًا أنها مشكلة قديمة تعود إلى عام 1820، وسط محاولات مستميتة للاستيلاء على هذا الدير القبطي، وتم اللجوء للمحاكم في أيام الدولة العثمانية ولكن كل الأحكام حكمت بأحقية الكنيسة القبطية، ومعها أحكام موثقة، وحتى عيد القيامة 1970 كان الدير في حيازة الكنيسة القبطية، مشيرًا إلى أن البطريكية القبطية لها تواجد في القدس منذ القرن الـ12، والمطران القبطي متواجد باستمرار.

وقال: “إنه منذ حوالي عام أو أكثر قليلًا تقدم بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس لعمل عملية مصالحة بين الكنيسة القبطية والكنيسة الإثيوبية، والكنيسة القبطية وافقت على الفور وشكلت لجنة للتفاوض في الأمر، ولكن الحوار في هذه المفاوضات لم يكن حوارًا مفاوضًا وكان يميل للجانب الإثيوبي”.

وتابع: “الدير كان بحاجة إلى ترميم، والكنيسة القبطية طالبت أن تدخل الدير لترميمه على حسابها الخاص، ولكن الاجتماعات انتهت إلى اللاشيء، ولم يتم الرد على المطالبات حتى أكتوبر 2016، قامت الكنيسة القبطية بإرسال وفد هندسي لترميم الدير ولكن لم يسمح للوفد إطلاقًا بدخول الدير، لافتًا إلى أن وزارة الخارجية المصرية قامت بعمل مجموعة من الاجتماعات الدبلوماسية لاسترجاع الدير للكنيسة المصرية، وتشكلت لجنة من الأساقفة، ولكن لم تكن هناك أي إجابة على هذه الأمور على الإطلاق”.

وأضاف البابا “يوم 10 أكتوبر 2018 وصلت رسالة شفهية من وزير الأديان الإسرائيلي بقرار ترميم الدير عن طريق الحكومة الإسرائيلية دون أي تنسيق مع الحكومة المصرية ورفض عروضها السابقة، وقالوا نحن نخبركم ولكن لا نستأذن منكم، وبذلك أعلنت الحكومة الإسرائيلية بصورة غير محايدة عن موقفها”.

وأكد البابا أن “الكنيسة أرسلت خطابًا بالاعتراض وعدم الموافقة على الرسالة الشفهية، وجددت طلبها بالتقدم لترميم الكنيسة، وردوا يوم 22 أكتوبر مؤكدين أن إسرائيل تعتزم دخولها الكنيسة للترميم بأي صورة من الصور، وتم اقتحام الكنيسة من قبل إسرائيل يوم 23 أكتوبر، ثم دخل المهندسين والعمال اليوم بصورة عدائية، واعتدوا على المحتجين”.

وختم البابا: “القضية ليست قضية الكنيسة بل قضية مصرية؛ لأن الدير مصري، والكنيسة القبطية جزء من مصر”.

وفي اليوم ذاته، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية في مصر بيانًا قالت فيه: “ندين بعنف ونشجب بشدة هذا الفعل”. وتابعت “أنها تؤكد أن أي اعتداء على الإنسان هو إهدار لكرامته ولحقوقه الإنسانية والأساسية وتؤكد من جديد أن القدس بسماتها الخاصة التي وهبها الله لها هي ملك لكل البشرية وميراث لكل الطوائف والأديان وليس لفئة أو طائفة أو دين فقط”.

ويقع دير السلطان بجوار كنيسة القيامة، أو بعبارة أخرى داخل نطاق موضع الصلب والقبر المقدس، ويعتبر من الأماكن المسيحية المقدسة التي يسري عليها نظام “الوضع الراهن” وهي: القبر المقدس وملحقاته –دير السلطان- قبر السيدة العذراء بالجثيمانية – كنيسة المهد. ولدير السلطان أهمية خاصة تاريخية عند الأقباط، كما أن دير السلطان يُقرّب الطريق من البطريركية القبطية الأرثوذكسية إلى كنيسة القيامة. وتبلغ مساحة هذا الدير ألف وثمانمائة متر مربع تقريبًا. وهو متصل من الشمال بالبطريركية القبطية، ومن الغرب بمباني كنيسة القيامة، وتقع ساحته بالتحديد فوق كنيسة الملكة هيلانة (مغارة الصليب). وفي الزاوية الجنوبية الغربية لهذه الساحة كنيستان تاريخيتان على الطراز القبطي هما: كنيسة الأربعة الأحياء غير المتجسدة، و كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل.

وفي يوم 30 أكتوبر 2018 أصدرت الكنيسة الإثيوبية بيانًا رسميًّا، قالت فيه: “لقد صدق الاجتماع العام نصف السنوي، للمجمع المقدس لكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية، على النقاط التالية المتعلقة بالدير الإثيوبي لدير السلطان بالقدس.3

1- كتابة خطاب تقدير لحكومة إسرائيل، للبدء بترميم كنيسة القديس ميخائيل المتضررة، وفقًا لوعودها ودون إعاقة من الأعمال الاستفزازية للأقباط.

2- إعطاء رد رسمي على البيان الزائف الصادر عن بابا الأقباط والمجمع المقدس القبطي بشأن تاريخ وملكية دير السلطان.

3- إصدار بيان علني وإنتاج إعلامي متعدد، لشرح التاريخ الحقيقي للدير بأنه ينتمي إلى الإثيوبيين وهو تراث قديم لكل الشعب الأسود ويعرض الأفعال الخاطئة والاستفزازية للأقباط.

وفي يوم 8 نوفمبر أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية سفر وفد كنسي إلى القدس بتكليف من البابا تواضروس الثاني، وذلك للقاء الأنبا أنطونيوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى لبحث آخر تطورات مشكلة دير السلطان، ويتكون الوفد برئاسة الأنبا دانيال أسقف المعادي سكرتير المجمع المقدس، والأنبا بيمن أسقف قوص ونقادة منسق العلاقات بين الكنيستين القبطية والإثيوبية، والأنبا غبريال أسقف بني سويف، والأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس مصر القديمة وأسقفية الخدمات، والمهندس كامل ميشيل منسق عام الكنيسة لقضية دير السلطان.

وفي يوم 11 نوفمبر قال الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس، وأسقف عام المعادي في تصريحات صحفية: “إن الوفد أجرى عددًا من اللقاءات التي بدأت بالأنبا أنطونيوس، والسفير المصري فى إسرائيل، الذي كان في قمة التعاون، وأكد على التنسيق الكامل من الخارجية المصرية مع الكنيسة لأحقيتها في دير السلطان الذي لا يقبل أي نقاش، كما التقى الوفد بطريرك الروم الأرثوذكس، وبطريرك الأرمن الأرثوذكس، اللذان عرضا الوساطة بين الكنيستين لحل الموضوع بشكل ودي”.

وتابع الأنبا دانيال: “رغم مشكلة الدير إلا أن هناك علاقات كنسية قائمة على أعلى مستوى بين الكنيستين الإثيوبية والقبطية، والأنبا بيمن، أسقف قوص ونقادة ومنسق العلاقات بين الكنيستين، سيكون له دور في ذلك”.

وفي يوم الأربعاء 21 نوفمبر أصدر المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية بيانًا تقول فيه: “تنأى الكنيسة الأرثوذكسية بنفسها عن البيان الذي أصدرته الكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية الإثيوبية الشقيقة بخصوص الدير في 5 نوفمبر 2018 والرد على ما جاء فيه من اتهامات ظالمة وإهانات جارحة ومغالطات تاريخية بخصوص ملكية وحيازة دير السلطان القبطي، وإن الدير هو أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته القبطية شأنه شأن جميع الأديرة القبطية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة”.

وتابع البيان: “الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والتي تأسست في القرن الأول الميلادي على يد القديس العظيم مار مرقس الرسول تتمتع بعلاقات طيبة مع كنائس العالم، وقد أرسل القديس أثناسيوس الرسولي في القرن الرابع الميلادي أبونا سلامة كأول مطران لإثيوبيا ومنذ ذلك الوقت لا تزال العلاقة بين الكنيستين قائمة على أسس المحبة والتعاون والاحترام المتبادل وقد ظهر ذلك جليًا في الزيارات المتبادلة المملوءة محبة بين بطاركة الكنيستين في العصر الحديث”.

وأضاف البيان أن: “دير السلطان القبطي هو أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته القبطية، وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة فهو مجاور لبطريركية الأقباط الأرثوذكس والكلية الأنطونية وباقي الممتلكات بالمنطقة. ولم تنقطع الرهبنة القبطية في الأراضي المقدسة ولم يخلو الدير إطلاقًّا يومًا من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن”.

وتابع البيان: “الكنيسة تشكر الله أنه بالرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء على الدير لمئات السنين استطاعت الكنيسة القبطية الاحتفاظ به، وفي كل مرة كان يصدر الحكم في صالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باستلام الدير بكل مشتملاته، وحتى المرة الأخيرة في اعتداء 25 إبريل 1970، حكمت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971 لصالح الكنيسة القبطية لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم في الأراضي المقدسة ولكن للأسف رفضت السلطة الحاكمة تنفيذ قرار المحكمة”.

وأضاف البيان: “نؤكد أن دير السلطان كان وسيظل أحد ثوابت مقدسات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة لكل مصري في العالم أجمع، ونريد أن نشكر كل من قام بالمساهمة في الحفاظ على الهوية القبطية المصرية لدير السلطان ونثمن دور الحكومة المصرية بكل أجهزتها في الحفاظ على هذا الدير القبطي كأرض مصرية ونشكر الله أن حكم محكمة الصلح الإسرائيلية الصادر في 28 أكتوبر 2018 بخصوص الترميم في دير السلطان اقتصر على أعمال الترميم على الأماكن الخطرة فقط داخل كنيسة الملاك ميخائيل وأن يكون ذلك تحت إشراف مهندس مُعَين من قبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”.