إثبات طلاق بين زوجين قبطيين بالإرادة المنفردة

2021-06-09 . تحقيقات النيابة والمحاكمات . محاكمات

9 يونيو 2020

قضت محكمة شبرا الخيمة لشؤون الأسرة للولاية على النفس، في  9 يونيو 2020، بإثبات الطلاق بين زوجين قبطيين بالإرادة المنفردة، واستندت إلى حكمها  لتغيير الزوج طائفته والانضمام إلى طائفة أخرى. صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 4051 لسنة 2019 أسرة شبرا الخيمة ثان، وجاء بالدعوى، أن زوجًا قبطيًّا عقد لواء الخصومة، وأعلن قانوناَ زوجته بإثبات طلاقه منها بتاريخ 7 مارس 2019 طلقة بائنة، وذلك على سند من القول إنه زوجها بصحيح العقد الكنسي وفقًا لشريعة الأقباط الأرثوذكسية، إلا أنه ترك تلك الطائفة، وانضم إلى طائفة كنيسة أخرى، ثم قام بتطليق زوجته بأن قال لها: “أنت طالق”، وتقدم لمكتب التسوية بطلب أسرة شبرا الخيمة، ما حدا به لإقامة هذه الدعوى بغية الحكم له بطلباته آنفة البيان تطبيقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.[1]

وقدم محامي الزوج سنداَ لدعواه عبارة عن العقد الكنسي المؤرخ 27 يوليو 2000، وشهادة من الكنيسة التي انضم إليها تفيد أنه بتاريخ 12 سبتمبر 2016 انضم لها وأصبح عضواَ بعد قبول طلبه ويمارس الشعائر الدينية حسب نظام الكنيسة، وأنها تتبع التعاليم الإنجيلية في الطقوس والشعائر الدينية.

في حيثيات الحكم، جاء أن أحكام محكمة النقض استقرت على أنه إذا كان مؤدى المادتين السادسة والسابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية أن مناط الإسناد في تحديد القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين هو الديانة بحيث تطبق الشريعة الإسلامية على كل المسلمين وغير المسلمين المختلفي الملة أو الطائفة وتطبيق الشريعة الطائفية على غير المسلمين المتحدي الملة والطائفة، وكانت الشرائع الخاصة أو الطائفية هي القواعد الدينية التي تحكم مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين غير المسلمين الذين يدينون بدين سماوي، وهى تطبق في مصر استنادًا إلى نظم قانونية تقوم على أساسها، فإن الأصل أن هذه القواعد القانونية الوضعية بالإضافة إلى المصادر الدينية التي تسوغ تطبيق الشريعة الإسلامية أم أنه لا يفيده وأن تغييرًا لم يحصل، طبقًا للطعن رقم 23 لسنة 46 قضائية.

وفقًا للمحكمة، فإن الزوج أثبت بصحيفة دعواه أن زوجته تنتمى إلى الأقباط الأرثوذكس منذ تاريخ زواجهما السالف وفقًا لشريعة الأقباط الأرثوذكس، وفقًا للثابت بصحيفة دعواه والشهادة الصادرة من الكنيسة المنضم إليها تفيد أنه انضم لها وأصبح عضواَ فيها بعد قبول طلبه ويمارس الشعائر الدينية حسب نظام الكنيسة، وأنها تتبع التعاليم الإنجيلية في الطقوس والشعائر الدينية.

كما ثبت صحة تلك الشهادة وفقًا لكتاب الكنيسة المنضم إليها المرفق، وكانت المدعى عليها من الأقباط الأرثوذكس، ومن ثم فإنه يطبق عليهما أحكام الشريعة الإسلامية طبقًا لنص المادتين السادسة والسابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية. 

وأضافت المحكمة أن الطلاق شرعاَ هو حل رباط الزوجية الصحيحة بعبارة تصدر من الزوج، أما الزوجية غير الصحيحة فلا تثبت بها رابطة شرعية يمكن أن تحل بالطلاق، وانحلال الرابطة الزوجية استثنائية على قاعدة ثبات رباط الزواج، إلا أنه يجب أن يكون بارزاَ أن الطلاق باعتباره حقًّا خالصاَ ومطلقًا للزوج يستقل بإيقاعه إن شاء بعبارة تصدر منه مسندة إلى زوجته تدل على طلاقها منه، ويترتب عليه انحلال الرابطة الزوجية، والطلاق بها المعنى لا تعرفه الشريعة المسيحية بكل طوائفها – أرثوذكسية وكاثوليكية وإنجيلية – إذ إن هذه الشريعة تحرم تحريماَ مطلقًا على الزوج أن يستقل بإرادته المنفردة بحل عقد الزواج لأي سبب من الأسباب، ولو أثبتت وقوعه بتلك الوسيلة وهذا التحريم يعتبر من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الشريعة المسيحية، وقد أثارت هذا صراحة المادة 27 من قواعد الأحوال الشخصية لطائفة الأرمن الأرثوذكس فنصت على: “يحرم على الزوجين أن يتفقا معًا على الطلاق، وكل سبب يتخذه الزوجان للتحايل على هذه القاعدة يكون مرفوضًا”. 

واستقرت محكمة النقض في قضائها على جواز إيقاع الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج المسيحي شأنه في هذا شأن الزوج المسلم في حالة اختلاف الزوجين المسيحين ملة أو طائفة تطبق الشريعة الإسلامية في هذه الحالة، ذلك أن حظر الطلاق بالإرادة المنفردة ليس من الأصول الأساسية للشريعة المسيحية رغم أن الشرائع المسيحية حاليًّا لا تعرف الطلاق بمشيئة الزوجين أو أحدهما، فإذا طلق زوج مسيحى زوجته بإرادته المنفردة ثم رفع دعوى بإثبات ذلك الطلاق، وكانت شروط تطبيق شريعته الخاصة غير متوافرة، وبالتالي يخضع النزاع للشريعة الإسلامية، فإنه يحكم بإثبات ذلك الطلاق، ومن تاريخ إيقاعه لا من تاريخ الحكم به، طبقًا للطعنين رقما 16، 26 لسنة 48 ق أحوال شخصية. 

وذكرت محكمة النقض أن للزوج المسيحي أسوة بالزوج المسلم الحق في إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة، إذا كانت الشريعة الإسلامية تحكم العلاقة بين الزوجين تبعاً لعدم توافر شروط انطباق الشرائع الطائفية رغم أن قواعد الشرائع المطبقة حالياً لا تعرف الطلاق بمشيئة الزوجين أو أحدهما، اعتباراً بأنه لا يجوز أن يترك للإرادة حل عقدة الزواج ولما فيه من تحكيم أهواء النفس البشرية فيما لا يجوز فيه سيطرة الهوى النفسي والضعف الإنساني، لأن الثابت أن الشريعتين اللتين كانتا سائدتين عند ظهور الديانة المسيحية – وهما الشريعة اليهودية والقانون الروماني – كانتا تبيحان تراضي الزوجين على إنهاء العلاقة الزوجية وتقران حق الزوج في الطلاق بمحض إرادته، وظلت مبادئ هاتين الشريعتين في هذه المسألة هي السارية مع انتشار المسيحية يساندها استعمال الكتاب المقدس للفظ الطلاق لا التطليق في إنجيل متى وتحدثه عن حل وثاق الزوجية حال الزنا، ولم تتم الغلبة لحظر الطلاق بالإرادة المنفردة إلا بعد تسعة قرون في مجمع القسطنطينية المنعقد سنة 920 ميلادية حين بدأت الكنيسة نزول إجراءات اختصاصاً قضائياً بتصريح ضمني من الأباطرة رغم عدم وجود قانون يقضي بذلك، فهو أقرب إلى تنظيم الطلاق وتقييده منه إلى المائة ومنعه.

وأضافت أنه إذ كانت مختلف الشرائع المسيحية الطائفية – فيما عدا شريعة واحدة لها وضع خاص – تبيح التطليق على تفاوت في أسبابه بين توسعة وتضييق، وكانت مسألة تطبيق الشريعة العامة لا تثور إلا عند اختلاف الزوجين طائفة أو ملة فإن اللجوء إلى الأحكام الموضوعية للشريعة الإسلامية بإباحة التطليق بالإرادة المنفردة يبدو لازماً تبعاً لعدم إتاحة مجال للخيرة بين الأحكام الموضوعية لأي من الشرائع الطائفية، وهي ذات العلة التي كانت تواجه القضاء الملي قبل إلغائه، فكان يرفض الفصل في النزاع بين مختلفي الملة لعدم وجود قاعدة موحدة لغير المسلمين، هذا بالإضافة إلى أنه طالما ترفع الدعوى بطلب إثبات الطلاق الواقع بالإرادة المنفردة ويعرض النزاع على القضاء ليقول قولته في الشريعة التي تحكمه، فإن ثبت له توافر شرائط انطباق الشريعة الطائفية لم يقع الطلاق صحيحاً، وإن استبان تخلف الشروط وخضوع المنازعة لأحكام الشريعة الإسلامية أقر وقوع الطلاق، فإن هناك توافقاً في النتيجة رغم تغاير الوسيلة، ومن ثم فلا يمكن قياس هذه المسألة على حالة تعدد الزوجات. 

وتابعت “لما كان ما تقدم وهديًا به – ولما كان المدعي قد أقام دعواه ابتغاء الحكم بإثبات طلاقه للمدعى عليها الحاصل في 7 مارس 2019، وهذا ولما كان الثابت للمحكمة أن المدعي والمدعى عليها مختلفو الطائفة إذ إن المدعي أصبح عضوًا في طائفة الكنيسة المنضم لها ويمارس الشعائر الدينية حسب نظام الكنيسة، والتي تتبع التعاليم الأجنبية والمدعى عليها من الأقباط الأرثوذكس، ومن ثم فإنه يطبق عليهما أحكام الشريعة الإسلامية طبقًا لنص المادتين السادسة والسابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية، وهذا ولما كان المدعي والمدعى عليها وأن اتحدا ملةً فهما مختلفان في الطائفة وأن شريعتهما الطائفية تدين بوقع الطلاق، فإنه يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في شأن إثبات واقعة الطلاق، وهى تبيح للزوج أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة، هذا ولما كان المدعي قد أوقع يمين الطلاق على المدعى عليها بالتاريخ السالف بعد تغيير طائفته ومن ثم فإن هذا الطلاق صحيحاَ من تاريخ وقوعه على الرغم من أن المدعي قد أوقعه بإرادته المنفردة، إذ إن أحكام محكمة النقض استقرت على أن للزوج المسيحي أسوة بالزوج المسلم الحق في إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة، إذ كانت الشريعة الإسلامية تحكم العلاقة بين الزوجين إذ كانوا مختلفي الملة أو الطائفة، ومن ثم فإن دعوى المدعي قد أقيمت على سندا صحيح من الواقع والقانون، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بإثبات طلاق المدعى عليه”.


[1] لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نسخة من الحكم.