26 مايو 2018
حكمت المحكمة الإدارية العليا يوم السبت 26 مايو 2018 بإلزام الحكومة بحجب موقع “يوتيوب” في مصر شهرًا، كعقوبة على بثه مقاطع فيديو من فيلم مسيء للرسول محمد، وأوضحت في حيثيات الحكم أن حجب اليوتيوب ليس ردًّا على الفيلم المسيء ﻷنه في الأساس يتناول خرافات، وإنما حرصًا من المحكمة على الأمن القومي لمصر، وخوفًا من تأثير الفيلم على تغذية الطائفية وضرب الوحدة الوطنية وتهديد سلامة المواطنين في حال انتشرت أعمال العنف في البلاد للتنديد بالفيلم.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها1: “إن الدستور المصري مسايرًا الاتفاقيات الدولية المقررة لحقوق الإنسان كفل حرية التعبير بمدلوله العام، ومجالاته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبجميع وسائل التعبير، وضمانًا من الدستور لحرية التعبير ونشرها بأي وسيلة، إذ أن هذه الحرية لا تنفصل عن الديمقراطية، وأن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيدة بالحدود الإقليمية على اختلافها”.
وتابعت الحيثيات “الحريات والحقوق العامة التي كفلها للدستور ومنها حرية الفكر والتعبير، ليست حريات وحقوق مطلقة، وإنما هي مقيدة بالحفاظ على الطابع الأصيل لقيم المجتمع وثوابته وتقاليده والتراث التاريخي للشعب والآداب العامة”.
و”قانون تنظيم الاتصالات أناط بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ووزير الاتصالات تنظيم وسائل إرسال أو استقبال المعلومات بمختلف أشكالها وذلك أياًّ كانت طبيعتها، سواء كان الاتصال سلكيا أو لا سلكيا، بين المستخدمين في مصر وبين الدول الأجنبية، بما ذلك الطيف الترددي، ووضع قواعد وشروط منح التراخيص الخاصة باستخدام ذلك الطيف، وذلك بما لا يخل بالمصلحة العليا للدولة والأمن القومي للبلاد”.
وأوضحت المحكمة أن المشرع لم يحدد الحالات التي تستدعي حجب المواقع الإلكترونية، إلا أن ذلك لا يخل بحق الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في حجب بعض المواقع على شبكة الأنترنت، حينما يكون هناك مساس بالأمن القومي، أو المصالح العليا للدولة وذلك بما له من سلطة في مجال الضبط الإداري لحماية النظام العام.
وأشارت المحكمة في حيثيات الحكم إلى “أنها لا تتناول الفيلم المسيء وما تضمنه من خرافات هي من نسيج خيال مريض لمصورها، إذ أن الإسلام والرسول الكريم، ليسوا في حاجة للمحكمة أو غيرها للدفاع عن قدسيتهما وسماوية رسالتهما، وإنما تراقب تأثير ذلك العمل المثير على الأمن القومي الداخلي وتماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والمواطنة”.
وتابعت الحيثيات أنه تبين للمحكمة أن عرض الفيلم المشار إليه على موقع “يوتيوب” وغيره من المواقع الإلكترونية، كان له بالغ الأثر على الأمن القومي الداخلي حيث انتهز بعض أعداء الوطن من مثيري الفتن عرض هذا الفيلم لتغذية الطائفية البغيضة وضرب الوحدة الوطنية في مقتل للنيل من وحدة وسلامة الوطن والمواطنين، حيث اجتاحت التظاهرات وأعمال العنف الكثير من أرجاء البلاد للتنديد بهذا الفيلم المسيء، مما أدى إلى حدوث اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، الأمر الذي كان يتعين معه على الدولة والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن يسارع لحجب هذا الفيلم المسيء فورًا من موقع “يوتيوب” وجميع المواقع الإلكترونية، وإذا لم يكن هذا في استطاعته فكان يجب عليه أن يقوم بحجب هذه المواقع كاملًا لحفظ الأمن والسلام الاجتماعي وحفاظًا على مشاعر العالم الإسلامي.
واختتمت المحكمة حيثياتها بقولها “إن المحكمة إذ تقضي بما تقدم تضع أمامها أن هذا القضاء ليس لمواجهة الظرف الحالي فقط وإنما ردعًا وتقويمًا وإنذارًا لتلك المواقع ولكل من تسول له نفسه العبث بالمعتقدات والثوابت الدينية والروحية للشعب المصري بحجة حرية الفكر والتعبير لإثارة البغضاء والكراهية بين أبناء الشعب الواحد وتقسيمه إلى أحزاب وشيع متصارعة غير متحدة على عبادة الإله الواحد”.
وتعود وقائع القضية لعام 2012 عندما تقدم المحامي محمد حامد سالم في 18 سبتمبر 2012 بقضية في محكمة القضاء الإداري مختصمًا فيها رئيس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل ووزير الاتصالات عاطف حلمي بصفتيهما وكذلك موقع يوتيوب، بسبب استمرار عرضه للفيلم المسيء للرسول.
وحكمت المحكمة حينها برفض الدفوع المقدمة من محامي الحكومة بإقامة الدعوى من غير ذي صفة، في حين لم يحضر محامون عن يوتيوب، وتضامنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير مع الحكومة وأكد محاموها حينها أن هذه الدعوى تطالب بتقييد الحريات، ولكن المحكمة رفضت الدفوع المقدمة وقضت بإلزام رئيس الوزراء المصري ووزير الاتصالات بغلق موقع اليوتيوب في مصر لمدة شهر، وإلزام الموقع وكافة المواقع الأخرى على الشبكة العنكبوتية برفع الفيلم المسيء للرسول في مصر وتنفيذ الحكم فورًا بمسودته دون إعلان، وبإحالة الدعوى لهيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع.
1لدى المبادرة المصرية نسخة من الحيثيات.