13 إبريل 2017
اعتدى عدد من أهالي قرية كوم اللوفي بمركز سمالوط بمحافظة المنيا على أقباط بعد انتهائهم من صلاة قداس “خميس العهد” داخل منزل ملك لمواطن يدعى “عيد فهمى متري” بعد الحصول على موافقة شفهية من أجهزة الأمن بإقامة مذبح متنقل، وبحضور القس داود ناشد وكيل مطرانية سمالوط، وألقى المعتدون الحجارة على جمع الأقباط وأصيب أربعة منهم بجروح.
في اليوم التالي _الجمعة العظيمة_ تجمهر عدد من الأهالي في شوارع القرية مرددين هتافات عدائية، لكن فرض الأمن كردونًا حول بعض منازل الأقباط، الذين بقوا داخل منازلهم، ولم يخرجوا للصلاة، خوفًا من وقوع اعتداءات جديدة.
وقال أحد أقباط القرية وشاهد عيان: “لم نكن نعرف أين نصلي خلال احتفالات أسبوع الآلام، حتى تلقينا توجيهات أمنية بالصلاة في منزل عيد فهمي، لكن طلعنا من الصلاة لقينا مسلمين من القرية يرمون علينا الطوب، ويهتفون، كانوا بيزعقوا وبيقولوا إلحقوا المسيحيين بيصلوا.. المسيحيين بيصلوا.. ودي حاجة توجع أكتر.. إنهم مش مثلًا بيقولوا إننا بنعمل جريمة مثلًا.. ﻷ ده إحنا بنصلي”.1
وأوضح شاهد العيان أن أقباط القرية كانوا خلال الفترة الماضية يقصدون القرى المجاورة للصلاة مع مسيحييها، قبل أن يعترض بعض أهالي تلك القرى من المسلمين، رافضين قدوم مسيحيين من خارج قراهم للصلاة عندهم، وأضاف أن الاعتداءات ضدهم حدثت في وجود قوات الأمن التي قامت بالفصل بين المعتدين والمعتدى عليهم، واكتفت بتفريق المعتدين دون القبض على أيٍ منهم.
وقال إنه في مساء اليوم ذاته تم حرق بيوت غير مسكونة وموجودة على أطراف القرية، ومملوكة لأقباط.2
بداية الاعتداءات
جدير بالذكر أن قرية كوم اللوفي شهدت اعتداءات من عدد من الأهالي على الأقباط، وغلق مبنى ملك المطرانية كان مخصصًا للصلاة، في يونيو 2016 بعد حرق بيوت مملوكة للأقباط بعد شائعة تحويل منزل لكنيسة، وبعدها رفض ممثلو أهالي القرية المسلمون استمرار الصلاة في هذا المبنى، فاضطر الأقباط إلى قطع مسافة طويلة للصلاة بكنائس أخرى بقرى مجاورة، إلا أنه تم منعهم من دخول هذه القرى بعد رفض بعض أهالي هذه القرى دخولهم والتجمع للصلاة، فضلًا على أن الكنائس بهذه القرى صغيرة وتتسع للمصلين بصعوبة. وخلال هذه الأحداث قبضت قوات الأمن على 19 متهمًا وقامت النيابة بإخلاء سبيلهم على ذمة القضية، وتعهد الأمن بفتح المبنى المغلق بالقرية لإقامة الشعائر الدينية فيها، إلا أنه منذ شهر أغسطس 2016 ورغم عقد الأمن ثماني جلسات مع أهالي القرية لإقناعهم بالسماح للأقباط بالصلاة بالمبنى إلا أنهم فشلوا في ذلك.
وكان هناك بيان منسوب لبعض أهالي القرية من المسلمين بخصوص شروطهم للموافقة على بناء كنيسة للأقباط نصَّ على: “أن يصلي الأقباط في مبنى من طابق واحد ولا يوضع عليه اسم القرية، ولا منارة، ولا جرس، ولا يرفع عليها صلبان، على أن تكون خارج القرية، وذلك هو السبيل الوحيد للسماح لهم بإقامة شعائرهم الدينية”.
وجاء في نص الوثيقة أن “اللجنة تعمل بعلم السيد المحافظ”، بينما نفى اللواء عصام البديوي محافظ المنيا، في تصريحاتٍ معرفته بها، وأكد في بيان رسمي أن ما تداوله عدد من النشطاء حول رعايته “لجنة لم الشمل” لتحديد أماكن إقامة الأقباط لشعائر الصلاة بقرية كوم اللوفي لحل الأزمة التي تجددت بين الأقباط والمسلمين عارٍ تمامًا من الصحة وأضاف أن تدخل أجهزة الدولة لم يأتِ إلا لفرض السيطرة والأمن وتطبيق القانون.3
تحرك ممثلين لأقباط كوم اللوفي عقب الأحداث في عدة مسارات حيث أصدروا بيانين، الأول نص على أن:
“نحن أقباط كوم اللوفي بسمالوط بالمنيا، نعاني منذ سنوات طويلة، من الحصول على أبسط حقوقنا التي يوفرها لنا الدستور، وهى الصلاة وإقامة شعائرنا، في مكان آمن يوفر الكرامة لنا ولأطفالنا وعجائزنا، ولكن هذا الحق الذي نناضل من أجله منذ سنوات لا يتوفر لنا كمواطنين مصريين، وعندنا توقفت الآذان لسماع أصواتنا وغاب القانون عن حمايتنا وتبخرت الوعود الزائفة رغم أننا دفعنا ثمنًا بحرق منازلنا والاعتداء علينا في شهر يونيو الماضي لمجرد شائعة عن قيام فلاح ببناء منزله بهدف تحويله لكنيسة”.
وتابع البيان: “وبعد إخلاء سبيل المتهمين في أغسطس الماضي، وتم قذف منازل الأقباط بالحجارة واضطرت بعض الأسر للهروب من القرية، وقد تعهد الأمن وأعضاء مجلس النواب بحل الأزمة وتأمين الأسر ووعد الأمن بفتح المبنى المغلق لممارسة شعائرنا، وانتظرنا كثيرًا ولكنه لم يستطيع الوفاء بوعده “.
“وعقد الأمن أكثر من ثماني جلسات مع كبار عائلات القرية والأئمة والشيوخ لإقناعهم بقبول فتح المبنى ولكن في كل جلسة تخرج أصوات لكبار العائلات لرفض الصلاة قائلين: غير مسموح للنصارى الصلاة بالقرية، وتعطى الأجهزة الأمنية مهلة أخرى وراء أخرى مع التهديد ولكن لم يستجب المتشددون لنداءات الأجهزة الرسمية وتارة يتم عرض تغيير موقع المبنى لموقع آخر كنوع من المماطلة، في ظل الرفض التام من أهالي القرية لحقنا في الصلاة”.
وختم البيان، قائلًا: “نحن نرسل باستغاثات لرئيس الجمهورية الذي أكد في زيارته للكاتدرائية أنه في بيت من بيوت الله، ولكن في المنيا لا يروا ذلك في أن يكون لنا حق الدخول لبيت الله، وبعد فشل كافة مساعينا لحل الأزمة منذ أغسطس الماضي مع الأجهزة الرسمية بالمنيا تتخذ الإجراءات الرسمية لتنظيم وقفات واعتصام بالقاهرة أمام قصر الاتحادية لمقابلة الرئيس لعرض أزمتنا عليه وسوف نظل نصلي هناك وليرى كيف نعانى وكيف يتم قتل المواطنة وإسقاط أبسط حقوقنا بالصلاة لعله يشعر بنا، ولنرى هل نحن بالفعل مواطنون مصريون أم أن المواطنة ليس سوى كلمات تقال في المناسبات فقط”.
ثم أصدر ممثلين لأقباط كوم اللوفي بيانًا ثانيًا في ظل استمرار رفض بعض الأهالي إقامة كنيسة داخل القرية، وجاء نص البيان:
” تعرضنا للاعتداءات وحرق منازلنا قبل عام، ونتعرض لمضايقات طويلة وحرمنا من حقنا في الصلاة داخل القرية لأكثر من خمسة سنوات، نتشرد من قرية لأخرى للوصول لأقرب مكان لنا حتى نرفع أيدينا إلى الله الذي لا أحد غيره يشعر بنا، وكأن الصلاة إلى الله أصبحت جريمة نعاقب عليها من أشخاص نصَّبوا أنفسهم حكامًا في دولة من المفترض أنها تعلي سيادة القانون”.
وتابع البيان: “حرمنا من حقنا في الصلاة في أسبوع الآلام وصلاة قداس عيد القيامة، حيث قضينا هذه الأيام محبوسين داخل منازلنا ونحاصر بتهديد المتشددين، وننتظر وعود المسئولين منذ شهر أغسطس الماضي بفتح مبنى مغلق تابع للمطرانية، ثم في محاولة لحل الأزمة قامت المطرانية بشراء أرض أخرى في أحد أطراف القرية وبجوار المنازل المسيحية وحتى هذا لم يُرضِ المتشددين ويصرون على رفضهم في ظل دعاوى تحريضية مستمرة ضدنا وتحرشات لا تتوقف، ورغم سيطرة الأجهزة الأمنية على الأوضاع بالقرية الآن، إلا أنه لم يصدر موقف إيجابي من الجهات الرسمية بشأن كنيستنا، والأيام تمر ونخشى أن تظل الأوضاع كما هي وينجح المتشددون في الانتصار على دولة القانون وكسر وعود الحكومة التي اعترفت بحق الأقباط في الصلاة ولكنها غير قادرة على التنفيذ على أرض الواقع!”.
وطالب أقباط كوم اللوفي بالآتي:
” -من حقنا كأقباط طبقًا للدستور أن نمارس شعائرنا ولا سبيل سوى بفتح المبنى المغلق للكنيسة أو السماح ببناء مبنى جديد على أرض المطرانية التي قامت بشرائها بجوار منازل الأقباط.
– نرفض كل محاولات المتشددين وشروطهم بنقل الكنيسة خارج القرية حسب مقترحاتهم والتي تضع المبنى في مسافة لا تقل عن كيلو ونصف من حدود القرية.
– نطالب الجهات الرسمية بسرعة إنهاء إجراءات إدخال المرافق لمنازل الأقباط، التي أحرقت في شهر يونيو الماضي، وعددها خمسة منازل قامت المطرانية بإعمارها وترفض الجهات المحلية السماح بإدخال المرافق بل حررت مخالفات لأصحاب المنازل بغرامات مالية وبعضهم صدر ضدهم أحكام بالسجن وذلك من أجل إرضاء المتشددين وتبرير حرق المنازل.
– ضرورة سرعة تحديد جلسة للمتهمين بحرق المنازل وعددهم 19 متهمًا بعد إحالتهم للجنايات منذ شهور.
– نطالب الجهات الأمنية باتخاذ إجراءات صارمة مع المحرضين ضد الأقباط على صفحات التواصل الاجتماعي والأمن على علم بهم، وأيضًا بعض المحرضين داخل القرية الذين لم يتم القبض عليهم حتى الآن”.
وقد تظاهر العشرات من أقباط كوم اللوفي في مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة يوم الأحد 4 يونيو 2017، للاحتجاج على استمرار منعهم الصلاة في قريتهم، ورفض المتشددين بناء كنيسة بالقرية.
وقال شنودة عادل، أحد أقباط القرية: “قررنا المجيء إلى الكاتدرائية بعد نفاد صبرنا، وفشلت كافة المساعي لإقناع المتشددين ببناء الكنيسة”.4
وفي يوليو2017 التقى اللواء عصام البديوي محافظ المنيا، ممثلين عن أقباط كوم اللوفي بمركز سمالوط بالمنيا وذلك أثناء الوقفة التي نظمها الأقباط أمام مبنى المحافظة، حيث شرحوا معاناتهم الطويلة لعدم وجود كنيسة ورفض الأقباط مبادرة لم الشمل التي طرحها بعض الأهالي بإجبارهم على بناء مبنى للتعبد خارج القرية، وهو ما يمثل عبئًا على الكبار والأطفال والمرضى لقطع مسافة خارج القرية وربما يتعرضون للخطر أو الاعتداء أثناء سيرهم.
وأكد أقباط القرية للمحافظ أن هذه هي رغبتهم، وقدموا مذكرة إلى المحافظ وجهاز الأمن الوطني قالوا فيها:
“بخصوص موضوع بناء كنيسة بقرية كوم اللوفي في المكان المقترح خارج نطاق القرية والذي يبعد عنها ما يقارب 700 متر من الجهة الغربية و1500 متر من الجهة الشرقية للقرية وهذا المكان المقترح يوجد بأرض زراعية خالية من المباني وهي ملك السيد ملاك دهشان أحد أقباط القرية.
ولعلم سيادتكم أن معظم صلواتنا واجتماعاتنا الدينية تقام في فترات مسائية، ويعرض الأطفال والسيدات وكبار السن إلى خطر الطريق كما سيكون عائق كبير لحضورهم هذه الصلوات والاجتماعات لذلك تم تجميع توقيعات من يعبرون عن أقباط القرية الذين يريدون مكان أفضل ويلتمسون من سيادتكم توفير أبسط حقوق المواطنة بوجود مكان للصلاة داخل القرية”.
ومن جانبه وعد محافظ المنيا مرة أخرى بحل الأزمة في أقرب وقت، والعمل على بناء الكنيسة.
وفقًا للشهادات التي حصلت عليها المبادرة المصرية فإن المجني عليهم وقَّعوا محاضر تصالح بمقر الشهر العقاري في مركز سمالوط، ديسمبر 2017، وذلك بعد تأكيدات من قيادات ومسئولين في الدولة وكبار عائلات القرية بالموافقة على إنشاء كنيسة باسم السيدة العذراء والأنبا موسى خارج القرية، على بعد نحو كيلو متر منها، وجار إنهاء موافقات الجهات الإدارية، كما حصل الأقباط على ضمانات بعدم التعرض لهم من جانب المتهمين.
1 إفادة تليفونية حصلت عليها المبادرة المصرية في 13 إبريل 2017 وحجبت اسم المصدر بناءً على طلبه.
2 شهادة حصلت عليها المبادرة المصرية في 15 إبريل 2017.
3 محافظ المنيا ينفي ما تردد في وسائل الإعلام حول “لجنة لم الشمل”، بيان، الصفحة الرسمية لمحافظة المنيا على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك.
4 إفادة تليفونية من شنودة عادل للمبادرة المصرية في 4 يونيو 2017.