“حكم بعدم دستورية أن يكون حجة على المتهم في جريمة الزنا “حال وجوده في منزل مسلم

2020-06-06 . تحقيقات النيابة والمحاكمات . محاكمات

 6 يونيو 2020

قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار سعيد مرعي عمرو في الدعوى المقيدة برقم 248 لسنة 30 قضائية دستورية، بعــدم دﺳــﺗورية ﻣــﺎ ﺗﺿــﻣﻧﻪ ﻧــص اﻟﻣــﺎدة  276 من قانون  اﻟﻌﻘوبـﺎت اﻟﺻــﺎدر بالقــﺎﻧون رﻗــم ٨٥ ﻟﺳــﻧﺔ 1937، ﻣــن ﻗﺻــر اﻟــدليل اﻟــذي يقبل ويكون حجة  ﻋﻠﻰ اﻟﻣـﺗﻬم ﻓـﻰ ﺟريمـﺔ اﻟزﻧـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺣﺎﻟـﺔ وﺟـودﻩ ﻓـي ﻣﻧـزل ﻣﺳلم، وأﻟزﻣت اﻟحكومة اﻟﻣﺻروﻓﺎت، وﻣﺑﻠﻎ ﻣﺎﺋﺗي ﺟﻧيه ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺗﻌﺎب اﻟﻣﺣﺎﻣﺎة.[1] أقام الدعوى هاني شكري نعيم ضد كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًّا) ووزير العدل ومحمد بدير محمد العدل.

كانت النيابة العامة قد أسندت إلى كل من صفية عبد العزيز حنفي والمدعي(هاني شكري)، أﻧﻬﻣــــﺎ ﻓــــﻰ ﯾــــوم 29 مارس 2008 ﺑــــداﺋرة ﻗﺳــــم ﺛــــﺎن ٦ أﻛﺗــــوبر ، اﻟﻣﺗﻬﻣــــﺔ اﻷوﻟــــﻰ: وﻫــــي زوﺟــــﺔ اﻟﻣــــدﻋﻰ عليه الرابع (محمد بدير)، ارﺗﻛﺑــــت جريمة اﻟزﻧــــﺎ ﻣــــﻊ اﻟﻣدﻋي. اﻟﻣﺗﻬم اﻟﺛﺎﻧي: اﺷﺗرك بطريق اﻻﺗﻔﺎق واﻟﻣﺳـﺎﻋدة ﻣـﻊ اﻟﻣﺗﻬﻣـﺔ اﻷوﻟـﻰ ﻓـي جريمة اﻟزﻧﺎ اﻟﺗي وﻗﻌت بناءً ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻻﺗﻔﺎق وﺗﻠك اﻟﻣﺳﺎﻋدة، وﻗدﻣﺗﻬﻣﺎ ﻟﻠﻣﺣﺎﻛﻣـﺔ ﻓــي الدعوى رﻗــم4171 ﻟﺳــﻧﺔ 2008 ﺟــﻧﺢ ﻗﺳــم ﺛــﺎن ٦ أﻛﺗــوبر وطلبت ﻋﻘﺎﺑﻬﻣــا بالمواد(40/2، 41،273، 274، 275، 276) ﻣــن ﻗـــﺎﻧون اﻟﻌقوبات، على ﺳـــﻧد ﻣـــن ضبط  اﻟﻣـــدﻋي ﺣـــﺎل وجوده بغرﻓـــﺔ ﻧـــوم اﻟﻣﺗﻬﻣـــﺔ اﻷوﻟـــﻰ، الكﺎﺋﻧـــﺔ زوﺟﻬــــﺎ اﻟﻣــــدﻋﻰ عليه الرابع، ﻣﺳــــﻠم الديانة،  وﻓــــي ﻏﯾﺑﺗــــه أثناء نظر الدعوى دﻓــﻊ اﻟﻣــدﻋي بعدم دستورية  ﻧــص اﻟﻔﻘــرة اﻷﺧﯾــرة ﻣــن اﻟﻣــﺎدة 276 ﻣــن ﻗـــﺎﻧون العقوبات، وإذ ﻗـــدرت المحكمة جدية اﻟـــدﻓﻊ، وﺻـــرﺣت ﻟـــﻪ ﺑﺈﻗﺎﻣـــﺔ الدعوى الدستورية فأقام الدعوى المعروضة.

ودفعت هيئة قضايا الدولة مبدئيًّا بعدم قبول الدعوى لسابق حسم المسألة الدستورية المثارة في الدعوى من قبل المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر ﺑﺟﻠﺳـــــﺔ ٣  فبراير 1990، ﺑـــــرﻓض الدعوى  التي أقيمت وقتها بشأن مخالفة المادة 276 من قانون العقوبات لمبادئ الشريعة الإسلامية. وقالت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها إن ﻫـذا اﻟـدﻓﻊ ﻣـردود عليه بﺄن ﻓﺻـﻞ المحكمة في دستورية النص، إﻧﻣﺎ اﻗﺗﺻر ﻋﻠﻰ بحث ﻣدى اﺗﻔﺎﻗﻪ وﻧـص المادة الثانية من دستور 1971 بعد تعديلها في 1981 فيما استحدثه من جعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وخلصت المحكمة في هذه الدعوى  إﻟﻰ أن إلزام اﻟﻣﺷـرع بعدم ﻣﺧﺎﻟﻔـﺔ ﻣﺑــــــــﺎدئ الشريعة اﻹﺳـﻼﻣية ﻻ ﯾﺗـــﺄﺗﻰ إﻋﻣﺎﻟـــﻪ باﻟﻧﺳـــبﺔ للتشريعات اﻟﺳـــﺎبقة ﻋﻠـــﻰ ﺗـــﺎريخ ﻫـــذا اﻟﺗﻌـــدﯾﻞ.

وﺣﯾــث إن ﻧــص اﻟﻣــﺎدة 76  ﻣــن ﻗــﺎﻧون اﻟﻌﻘوبــﺎت  – اﻟﻣﺻـاغة في ﻓﻘــرة واﺣـدة – ﯾﺟـري ﻋﻠــﻰ أن “اﻷدﻟـﺔ اﻟﺗـي ﺗﻘﺑــﻞ ﺣﺟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺗﻬم بﺎﻟزﻧـﺎ ﻫـي اﻟﻘـبض ﻋﻠيـﻪ ﺣـين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو 

وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده  في ﻣﻧـزل ﻣﺳـلم في المحل المخصص للحريم.”

طعن المدعي بأن النص المطعون عليه أقام قرينة لا تقبل إثبات العكس وتكون حجة على المتهم بالزنا بما يقيد حرية القاضي في تكوين عقيدته ويخل بحق التقاضي وحق المتهم في المحاكمة المنصفة ويهدر مبدأي أصل البراءة وشخصية العقوبة فضلًا عن إخلاله بمبدأ المساواة.

وجاء في حيثيات الحكم أن مفهوم جريمة الزنا على النحو الذي أورده المشرع هي تلك التي ترتكبها الزوجة اذا اتصلت جنسيًّا برجل غير زوجها أو يرتكبها الزوج إذا اتصل جنسيًّا بامراة غير زوجته وعلى الرغم أن الفعل الذي تقوم به جريمة الزنا الاتصال الجنسي يستلزم بطبيعته طرفين فاعل الجريمة وهو المتزوج منهما أما الآخر فهو الشريك فيها، ذلك أن جوهر الجريمة ليس الاتصال الجنسي في ذاته لكن ما ينطوي عليه من إخلال بالإخلاص الزوجي وهو ما لا يتصور إلا في شخص ملتزم به وتقتضي مساءلة الشريك الزوجة الزانية أن تتوافر في حقه أركان الاشتراك بقيام أركان جريمة الزنا وأن يصدر منه فعل الاشتراك ويتوافر لديه القصد الجنائي.

وأضافت الحيثيات أن الدليل متى وجد في منزل مسلم – بما مواده بالمخالفة- أن يكون ارتكاب الفعل في منزل غير المسلم غير منتج في إقامة الدليل على اشتراكه في الجريمة عينها إذ يشكل صدر المادة مانعًا يحول دون مسألته عن المساهمة في الجريمة. وكان من شأن هذه التفرقة إقرار النص المطعون عليه منزل المسلم بحماية أنكرها على منزل غير المسلم  ويقر لصاحب المنزل المسلم بحرمة لا يسلم بها لمنزل غيره. وقد ابتني هذا التمييز  على أساس من الدين دون مبرر موضوعي بالمخالفة لأحكام المادتين 4 و53 من الدستور التي حظرت ثانيهما على نحو جازم كافة صور التمييز بين المواطنين في مقدمتها التمييز بسبب الدين أو العقيدة.

كما أن النص المطعون عليه قد أهدر الحماية الجنائية المتعينة لمنزل غير المسلم عند ارتكاب جريمة الزنا وأقرها في الحال ذاته لمنزل المسلم فإنه اتخذ من الدين أساسًا لإقامة تمييز تحكمي جائر بين حرمة منازل المواطنين عند تحريك المسئولية القانونية لشريك الزوجة الزانية لا يستند إلى أسس موضوعية ويخل في الوقت ذاته بالحماية القضائية. فضلًا على أن الوسيلة التي حددها المشرع من هذا النص لا تؤدي إلى الغرض الذي توخاه من جريمة الزنا بحماية جميع الاسر المصرية أيًّا كانت ديانتها وذلك بالمخالفة لأحكام المادة 10 من الدستور.

كما أن المشروع قد أخل بالعدالة الاجتماعية على أساس من ديانة صاحب المنزل كما أخل بالشعور العام بالعدالة لا سيما من قبل الزوج المجني عليه غير المسلم الذي ارتكبت الجريمة بمنزله وإفلات المتهم من العقاب.


[1]     الجريدة الرسمية، العدد 24 مكرر في 14 يونية 2020.