رسامة جيهان فرج كثاني قسيسة مصرية بالولايات المتحدة

2019-07-18 . تطورات سياسية . مؤسسات مسيحية

18  يوليو 2019

أجرى موقع المنصة الإليكتروني حوارًا صحفيًّا مع جيهان فرج التي عينت قسيسة في كنيسة المسيح المتحدة الإنجيلية بالولايات المتحدة اﻷمريكية، وهى مصرية الجنسية، وبالرغم من قرار سنودس النيل اﻹنجيلي المصري بتأجيل مناقشة رسامة المرأة حتى عام 2026. وهى تعد ثاني قسيسة مصرية، حيث سبقتها القسيسة فينيس بباوي، التي حصلت على الرسامة في الثمانينيات بكنيسة المسيح المشيخية بأمريكا أيضًا، وهي الآن متقاعدة.[1]

جيهان فرج، المولودة في أسرة أرثوذكسية، بدأت علاقتها بدارسة الكتاب المقدس واللاهوت مبكرًا، وكان للمُعلّم دور مهم في تشكيل وعي جيهان، تتذكره حتى اليوم. “الحقيقة هو مش بس علمني، لكن كمان اداني أول فرصة أوعظ وأنا عندي 15 سنة، و ده ساهم بشكل كبير في تشكيل خدمتي في الكنيسة”.

وقالت القسيسة في حوارها:

توسّم المُعلّم تميّزًا في شخصية الشابة، فمنحها فرصة الوعظ التي فتحت أمام جيهان بوابة لعالم غني بمحطات تعليمية ومهنية ودينية أكسبتها خبرة وتنوعًا. “أنا حاصلة على بكالوريوس إعلام قسم إذاعة وتلفزيون سنة 1989. و3 ماجيستير، في الدراسات اللاهوتية سنة 2016، ودراسات العهد الجديد سنة 2017، واللاهوت سنة 2019”.

منذ عام 2018 وحتى اليوم تعمل جيهان بوظيفة أستاذ في جامعة تكساس كريستيان يونيفرستي، لكن قبل الانخراط في المجال الأكاديمي كان لها تجربة أخرى. “اشتغلت مخرجة لمدة 25 سنة في عدة قنوات”.

وخلال ربع قرن من العمل بالإخراج، كان للكنيسة حضور في حياتها. “قمت بإخراج العديد من البرامج المسيحية، وكان تركيزي على البرامج اللي بتعرض مشاكل المرأة و الأسرة”.

من نشاطها بين أروقة الكنيسة وعملها في إخراج برامج أُسرية، اتضحت اهتمامات جيهان أكثر، مما حفّزها لمزيد من التعمّق فيما اختارته بإرادتها. “في سنة 2013 كنت في زيارة عمل للولايات المتحدة الأمريكية، وكنت بحكي مع صديقة عايشة هناك إني عايزة أدرس حاجة خاصة بالمرأة، خاصة إني اتخصصت في إنتاج وإخراج برامج تهتم بالمرأة والأسرة لمدة 15 سنة”.

كان الكلام مع الصديقة تلقائيًّا ولكنه فتح آفاقًا جديدة أمام جيهان. “قالت لي فيه جامعة اسمها تكساس كريستيان يونيفرستي بتدرّس لاهوت مسيحي وشجعتني أروح أزورهم”.

أثار الاقتراح دهشة جيهان، لكنها لم تحرم نفسها من الفرصة. “في الأول ضحكت من الفكرة لأني عمري ما اتصورت إني أدرس لاهوت، لكن قلت إيه المانع؟”

وكان للزيارة أثرها الإيجابي، فبعد مُحاضرة واحدة انضمت جيهان للجامعة. “انبهرت جدًّا بطريقة الدراسة وانفتاحهم لمناقشة الأفكار بطريقه حرة، فقررت أقدّم”.

اعتراضات عائلية

هنا بدأت مواجهة جيهان للعراقيل. أولها كان شخصيًّا وتمثّل في اعتراض عائلتها على توجهها للكنيسة الإنجيلية، لكن اﻷمر سرعان ما تم تجاوزه بنجاح.

“في البداية عائلتي اعترضت على ذهابي للكنيسة الانجيلية، لكن لما وجدوا إن ده لم يؤثر على إيماني بالمبادئ الأرثوذكسية واحترامي وتقديري لها، بل بالعكس كان ليه تأثير إيجابي على قراءتي للكتاب المقدس وصلواتي، توقفوا عن الحديث معي في هذا الموضوع، إلا من بعض التعليقات على سبيل الدعابه من وقت لآخر”.

أما ثاني العراقيل، فكان مهنيًّا يتعلق بما لديها من التزامات. “كان عندي تحدي كبير، لأني كنت مسؤولة عن برامج كتيرة وفيه ناس كتير بتشتغل معايا، وماينفعش أسيبهم فجأة”.

أمام المسؤولية، اضطرت جيهان للتنقل بين مصر والولايات المتحدة لمدة 5 سنوات حتى انتهت التزاماتها بنهاية 2015، فتفرّغت للدراسة لتبدأ مرحلة جديدة في رحلتها. “في البداية كان هدفي أتعلم وأفهم لنفسي، وبعدين الأمر تطور وقررت أعمل بالتدريس. وفعلًا جاتلي الفرصة في جامعة تكساس كريستيان يونيفرستي عام 2018”.

أما الرسامة قسيسة، فكانت فكرة تراودها منذ أعوام. “القصة ابتدت سنة 2015، لما اتعرفت على الدكتورة آن إميل وعرفت رغبتها ومحاولاتها اللي ابتدت سنه 2008 إنها تبقي قسيسة في الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر. والحقيقة إنها بتتمتع بكل المواصفات اللي محتاجينها في أي راعي أو قسيس”. والدكتورة آن إميل حاصلة علي ماجيستير علم النفس وفي علم اللاهوت، وتعمل أستاذًا في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة.

قبل تفكير جيهان في الرسامة بأعوام، كانت آن إميل تحاول، لكن الرفض أو التجاهل كان الرد الدائم من سنودس النيل الإنجيلي (السلطة اﻷعلى للكنيسة اﻹنجيلية المشيخية في مصر، ويضم في عضويته مجامع الكنائس التابعة).

فكرت جيهان في طريقة لمقاومة موقف الهيئة الإنجيلية المعنية بقرار وطقوس الرسامة. “في 2015، اقترحت على دكتورة آن تسجّل كليبات قصيرة عن أهمية رسامة المرأة مهمة. كان عندنا أمل كبير يتم قبول طلب رسامة المرأة قسًّا، لأن كان غير منطقي بعد كل التغييرات اللي شهدتها منطقتنا العربية ووجود قادة يؤمنوا بالإنجيل، اللي نادى بالمساواة بين الرجل والمرأة إن الست تفضل مستبعدة من القيام بدورها كراعية وقسيسة في الكنيسة”.

ورغم المحاولات، ظل الرفض هو المسيطر، إذ قرر السنودس في 2016 تأجيل مناقشة رسامة المرأة لمدة 10 سنوات.

بارقة أمل

“في الوقت ده حسيت بمسؤولية كبيرة إني لازم أعمل حاجة، لأن القرار ده مش بس ظالم للستات لكنه كمان ضد تعاليم الكتاب المقدس اللي بيأكد إن الراجل والست متساويين”، تقول جيهان مستشهدة في ذلك بما ورد في الكتاب المقدس.

تعاظمت رغبة جيهان في خدمة الآخرين من داخل أروقة الكنيسة. “في كل يوم، فكرة إني لازم أقوم بدوري كانت بتكبر جوايا”، لهذا تواصلت مع “المهتمين بتطبيق تعليم الكتاب المقدس عن مساواة المرأة والرجل”، وقررت بالتعاون مع صديقتها آن تقديم طلب بتعجيل بمناقشة قرار رسامة المرأة، لكن قواعد الكنيسة حالت دون ذلك. “عرفنا إن علشان القرار يتغير، لازم مجمّعين في السنودس يقدموا طلبات لإعادة النظر في القرار”.

قبل انعقاد الاجتماع الأخير للسنودس في إبريل 2019 علمت جيهان أن 3 مجامع من الثمانية، بالإضافة لرابطة السيدات الإنجيلية تقدموا بطلبات لإعادة النظر في قرار العشر سنوات، ما منحها اﻷمل. “فرحت جدًّا بالأخبار، وقررت أقدم طلب لرسامتي قسيسة في مصر”.

رغم محاولات المجامع خاب اﻷمل من جديد. “بكل أسف، فوجئت بقرار السنودس برفض طلبات المجامع واستمرار تطبيق قرار العشر سنين المعيب”.

خيار بديل

“لأني مؤمنة بأن عليَّ دور في تغيير الوضع، قررت اترسّم قسيسة في أمريكا علشان أساعد في خلق صورة وواقع جديد لكل ست مصرية عايزه تترسّم، ولكل طفلة صغيرة تكبر وهي شايفة إن في ست مصرية قسيسة وبتمارس الدور ده سواء بشكل غير رسمي في مصر أو رسمي في أمريكا. المهم الصورة دي الناس تشوفها وتتعود عليها، لأني مؤمنة إن مفيش حاجة اسمها وظائف ماينفعش تقوم بيها الستات”. تقول جيهان عن دوافعها نحو البديل.

أما خطوات هذا البديل، فعلى ما يبدو أنها لم تكن صعبة على الإطلاق. “تواصلت مع مسؤولين في كنيسة المسيح المتحدة في أمريكا علشان أترسم قسيسة”.

ترتبط طائفة كنيسة المسيح المتحدة بعلاقات وشراكة مع الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر. ووفقًا لجيهان فهي كنيسة “تُرحب باﻷقليات المهمشة والمرفوضة والمستضعفة وتساندها”.

كان هذا _من وجهة نظر السيدة_ سببًا لقبول الكنيسة رؤيتها، بل ومساندتها والموافقة على رسامتها، فضلًا عما تحمله من ميزات تعليمية، فتمت رسامتها قسًّا في 5 مايو 2019.

تمت الرسامة بعيدًا عن مصر، ولم تكن شروطها تعجيزية كما بدا من حديث جيهان. “الشروط هي إن الشخص يكون مؤمن بأن له رسالة يؤديها، ويكون مشهود له بالاستقامة والكفاءة، ومؤهل دراسيًّا، وحاصل على ماجيستير في علم اللاهوت، وأتم سنه من التدريب العملي”.

تعيش جيهان حاليًّا مرحلة انتقالية بين التدريس والعمل الرعوي بالكنيسة. “دوري بينقسم لجزءين، تقديم المشورة الروحية والشخصية والدعم النفسي للمحتاجين، خاصة أبناء الجاليات العربية، والوعظ وتدريس الكتاب المقدس، بالإضافة لجميع مهام القسيس العادية مثل إتمام إجراءات الزواج والمعمودية وخدمة العشاء الرباني وزيارة المرضى وغيرها”.

ترغب القسيسة جيهان في مساعدة مسيحييّ مصر، وقالت القسيسة جيهان فرج “مشكلة الأقباط مرتبطة بالمشكلة الأعم في المجتمع، وهي غياب العدالة والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن الدين والطبقة والنوع أو الجنس. وهذه المعاملة مطلوبة داخل مجتمع الأقباط نفسه. فالمساواة والعدل ودولة المواطنة هم الحل.

وأضافت: “غياب المساواة سبب تأخر قريناتي عن الالتحاق بالعمل الكهنوتي، تأخر رسامة المرأة في الشرق اﻷوسط سببه الرئيسي عدم الجدية في تطبيق مبدأ المساواة بينها وبين الرجل وفق ما نادى به الكتاب المقدّس. قد يكون هناك عوامل مجتمعية، لكن دور الكنيسة هو أن تكون رائدة في التغيير. الرسامة دعوة من الله للرجل والمرأة، وليست امتيازًا للرجل يهبه للمرأة كيفما وأينما ووقتما شاء، وعلى المرأة أن تناضل ﻷجل تحقيق دعوتها”.


[1]القسيسة جيهان فرج: الرسامة دعوة من الله وليست امتيازًا يمنحه لنا الرجال، صفاء سرور، موقع المنصة الإلكتروني، 18 يوليو 2019.

https://wwv.almanassa.net/ar/story/12491?fbrefresh=1563455410&fbclid=IwAR3WZz0dTh2BqB3H_hU-V_Ggr4uIyiXqhDu5B9pqWV3BdACbof6IR0ZgQFE