زيارة بابا الفاتيكان لمصر

2017-04-28 . تطورات سياسية . مؤسسات مسيحية

28 إبريل 2017

بدأ بابا الفاتيكان البابا فرانسيس الثاني زيارته لمصر بزيارة الأزهر وإلقاء خطاب، وبدأ بابا الفاتيكان خطابه، بالسلام باللغة العربية، قائلًا: “السلام عليكم”.

وجاء في نص الكلمة:

“إنها لهبة كبيرة أن أكونَ هنا وأن أبدأ زيارتي لمصر من هذا المكان، مخاطبًا إياكم من هذا المؤتمرِ الدوليّ للسلام، أشكرُ الإمامَ الأكبرَ على عقد هذا المؤتمر وتنظيمه، وعلى دَعوَ تِه الكريمةِ لي.

أودُّ أن أتقدم إليكم ببعض الخواطر، وقد استَلهمتُها من تاريخ هذه الأرض المجيد، أرض حضارة، لقد كان التحضر الذي نَشَأ على ضفافِ النيل، منذُ القدَم، مُرادفًا للحضارة، فقد تألق نورُ المعرفة، وأنبتَ تراثًا حضاريًّا لا يُقدر بثمن، مجبولا بالحكمةِ والذكاء، ومكتسباتٍ في علمِ الرياضياتِ وعلمِ الفلك، وبأشكالٍ بديعةٍ في الهندسةِ وفنّ الرسم.

وقد شكّل البحثُ عن المعرفة وقيمة التعليم خياري تنمية مثمرين، اعتمدهما سكانُ هذه الأرض القدامى، هما أيضًا خياران ضروريّان للمستقبل، خياران ينبعان من السلام ويهدفان إلى السلام، لأنه ما من سلامٍ دون تربية مناسبة للأجيال الصاعدة.

وما من تربية مناسبةٍ لشبابِ اليوم، إنْ لم يستجِب التعليمُ الذي يوَفرُ لَهم، لطبيعةِ الإنسان، الكائن المنفتح فالتربيةُ تتحولُ في الواقعِ إلى حكمةِ حياة عندما تكونُ قادرة على أن تدفعَ الإنسانَ، بتواصلٍ مع الذي يجعلُه يسمو ومع ما يحيط به، لإعطاءِ أفضلَ ما عنده، فتكوِّنَ هويّات غير منطوية على ذاتها.

الحكمة تبحثُ عن الآخر، فتتخطى خطر التشدّد والانغلاق؛ كو نُها منفتحة وفي حركةٍ دائمة، ووديعة ومجتهدة في الوقت عينه، فهي تعرفُ كيفَ تقيّمُ الماضي وتضَعُه في حوارٍ مع الحاضرِ، ولا تستغني عن إيجادِ تفسيرٍ مناسبٍ له.

وتحضّرُ الحكمة هذه لمستقبلٍ، الهدفُ فيه ليس لسيادة الجانب الشخصيّ، إنما الآخر، كجزءٍ لا يتجزّأَ من الذات؛ ولا تتعبُ، في الحاضر، من انتقاء فرص التلاقي والمشاركة؛ وتتعلّمُ من الماضي أنّه لا ينبعُ من الشرّ إلّا الشرّ، ولا ينبعُ من العنفِ إلا العنف، في دوّامة تتحوّلُ في نهاية المطافِ إلى سجن.

هذه الحكمة، إذ ترفضُ شهوة التعدّي، تُركّزُ على كرامة الإنسان، الثمين في عينيّ لله، وعلى أخلاقيّاتٍ تليقُ بالإنسان، رافضة الخوفَ من الآخرِ ومن المعرفةِ بواسطة الوسائلِ التي وهبها الخالقُ للإنسان، إننا مدعوّون دومًا، في مجالِ الحوارِ بالتحديد، ولا سيّما الدينيّ منه، إلى السيرِ معًا، مؤمنينَ أن مستقبلَ الجميع يتعلّقُ أيضًا باللقاءِ ما بين الأديان والثقافات.

ومِن هذا المُنطَلَق، يقدّم لنا عملُ اللجنة المشتركة للحوار بين المجلس الحبري للحوار بين الأديان، ولجنة الأزهر للحوار مثلًا ملموسًا ومشجّعًا.

وباستطاعةِ ثلاثةِ توجهات أساسيّة، إذا ما تمّ تنسيقها بطريقةٍ جيّدة، أن تساعدَ في الحوار: ضرورة الهويّة، وشجاعة الاختلاف، وصدق النوايا.

ضرورة الهويّة، لأنّه لا يمكنُ تأسيس حوار حقيقيّ على الغموضِ أو على التضحية بما ھو صالح، من أجلِ إرضاء الآخر؛ شجاعة الاختلاف، لأنّه لا ينبغي أن أعاملَ مَن ھو مختلفٌ عنّي، ثقافيًّا أو دينيًّا، كعدوّ، بل أن أقبلَه كرفيقِ درب، باقتناعٍ حقيقيّ أن خير كلّ فردٍ يكمنُ في خيرِ الجميع.

إن التربية على الانفتاحِ باحترام، وعلى الحوارِ الصادقِ مع الآخر، مع الاعترافِ بحقوقهِ وبالحرّياتِ الأساسيّة، ولا سيما الحرية الدينيّة منها، تشكّلا الطريقَ الأفضل لبناء المستقبل معًا، لنكون بناة حضارة. لأن البديل الآخر الوحيد لثقافة اللقاء هو ثقافة الصدام”.

وتابع البابا فرانسيس “من الضروريّ، كي نواجه فعلًا بربريّا من يحرّض على الكراهية والعنف، أن نرافقَ ونقودَ إلى النضوجِ أجيالًا تجيبُ على منطقِ الشرّ المحرّض بنموٍّ صبور للخير: شبابًا، مثلا لأشجار الراسخة، يكونون متجذّرين في أرضِ التاريخ، ويحوّلون يوميًّا، فيما ينمون صوب العلي وجنبًا إلى جنب مع الآخرين، جوَّ الكرهِ الملوَّث إلى أكسيجين الأخوّة.

إننا مدعوّون، في هذا التحدي الحضاريّ المُلَحِّ والمشوِّق، مسيحيين ومسلمين، والمؤمنين جميعًا، إلى تقديم مساهمتنا: “نعيش تحت شمس إله واحد رحيم، ويمكننا، من هذا المنطلق، أن ندعو بعضنا بعضًا إخوة وأخوات، لأنّ حياة الإنسان دون الله تكون مثل السماء دون الشمس.

لتشرِق شمسُ أخوّة متجدّدة باسم لله وليَبزُغ من هذه الأرض، التي تعانقها الشمس، فجرُ ثقافة السلام واللقاء.

بتضرعات القديس فرنسيس الأسيزي، الذي أتى مصر قبل ثمانية قرون وقابل السلطان مالك الكامل. أرضُ عهود. لم تشرق في مصر شمس الحكمة وحسب؛ بل شعَّ أيضًا على هذه الأرض نورُ الأديان المتعدّد الألوان: “وهنا شكلت اختلافات الأديان “شكلًا من أشكالِ الغنى المتبادل في خدمةِ المجتمعِ الوطنيّ الأوحد.

إن عهودًا من هذا النوع ھي مُلِحّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. وأودّ أن أستخدمَ كرمزٍ، وأنا أتكلّم عنها، “جبلَ العهدِ” الذي ينتصب شامخًا في هذه الأرض.

يذكّرنا جبل سيناء قبل كلّ شيء، أنّه لا يمكنُ لعهدٍ في الأرض أن يصرفَ النظر عن السماء، وأنّه لا يمكن للإنسانيّة أن تصمّم على التلاقي بسلام، وهي تستبعد الله من الأفق، ولا حتى أن تصعد إلى الجبل كي تستحوذ على الله وثمّة خطر بأن يطغى تدبيرُ الشؤون الزمنيّة على الدين، وأن يقع هذا الأخير، أي الدين، في شرك إغراءات السلطة الدنيوية التي، في الواقع، تستخدمه”.

واستطرد قائلاً “في عالم قد عَولَمَ العديدَ من الأدوات التقنية المفيدة، ولكن في الوقت عينه عولَم الكثيرَ من اللامبالاة والإهمال، والذي يتقدّم بسرعة محمومة، من الصعب تحمّلها، نشعرُ بالحنين إلى الأسئلة الكبرى، التي تبرزها الأديان، والتي توقظ ذاكرة الجذور الشخصيّة: دعوة الإنسان، الذي لم يُخلق لينتهي فيوهن الشؤون الدنيويّة، إنما كي يسير نحو المطلق الأوحد الذي يتوق إليه.

لهذه الأسباب، ولا سيّما اليوم، فإن الدين ليس بمشكلة إنما هو جزءٌ من الحلّ: لمحاربةِ الميل إلى الاسترخاء في حياةٍ دنيوية، حيث يولد كلّ شيء وينتهي هنا، يذكّرنا الدينُ أنّه من الضروري أن نرتفع بروحِنا إلى العلى كي نتعلّم كيف نبني مدينة البشر.

أودّ أن أشير، بهذا المعنى، وأنا شاخص بنظري مجددًا إلى جبل سيناء، إلى تلك الوصايا التي أعطيت هناك، قبل أن تُكتَبَ على الحجر.

نحن مدعوّون بالتالي، كمسؤولين دينيّين، إلى فضح العنف الذي يتنكّر في زيّ القدسيّة المزعومة، ويستغلّ أشكال الأنانيّة التي تحولت إلى مُطلَق، بدلا لانفتاح صادق على المُطلَق الأوحد.

لنكرّر معًا، من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر وبين المؤمنين، لنكرر لا قويّة وواضحة لأيّ شكلٍ من أشكالِ العنف، والثأرِ والكراهية يرتكب باسم الدين أو باسم لله.

ولنؤكد سويّا استحالة الخلط بين العنفِ والإيمان، بين الإيمان والكراهية. ولنعلن معًا قدُسيّة كلّ حياةٍ بشريّة ضدّ أيّ شكلٍ من أشكال العنف الجسديّ، أو الاجتماعيّ، أو التربويّ أو النفسيّ.

إن الإيمان الذي لا يولَد من قلبٍ صادق ومن، الرحيم، هو شكلٌ من أشكالِ العضويّة التعودية أو الاجتماعيّة التي لا تُحرِّرُ الإنسانَ إنما تسحقه! لِنَقلْ معًا: كلّما ننمو في الإيمان بمحبّة أصيلة كلّما ننمو في محبّة القريب! لكن الإيمان ليس بالطبع دعوة إلى فضح الشرّ وحسب؛ فهو يتضمّن الدعوة إلى تعزيز السلام، اليوم ربّما أكثر من أيّ وقت مضى.

ومهمّتنا، دون الاستسلام إلى توفيقيّة تصالحيّة، هي أن نصلّي بعضنا لبعض سائلين لله نعمة السلام، وأن نتلاقى، ونتحاور ونوطد الانسجام بروحٍ من التعاون والصداقة. وكمسيحيين “لا نستطيع أن ندعو الله أبا لجميع البشر إذا رفضنا أن نسلك كإخوة تجاه أولئك المخلوقين على صورة الله”.

ونعرف فضلًا عن ذلك، ونحن منغمسون في صراع مستمرّ ضدّ الشرّ الذي يهدّد العالم حتى لا يبقى هذا العالم “موضِعًا لأخوّة حقيقيّة”، أن لله يحمل الذين يؤمنون بالمحبّة الإلهيّة على اليقين، بأن طريقَ المحبّة مفتوحةٌ أمام البشر أجمعين وأن الجهود لتوطيد أخوّة شاملة ليست باطلة بل هي أساسيّة: فعند أبسط الأمور، في الواقع، تظهر الحاجة إلى رفع الأصوات، وإلى الإسراع في إعادة التسلّح من أجل الدفاع عن النفس: إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات؛ إننا بحاجة إلى “رجال إطفاء”، لا إلى مُشعِلي النيران؛ إننا بحاجة إلى الدعاةِ إلى المصالحة، لا إلى المهدّدين بالدمار.

إننا نشهد مع الأسف، من جهة، ابتعادًا عن واقع الشعوب باسم أهدافٍ لا تأخذُ أحدًا بعين الاعتبار، ومن جهة أخرى، كردّة فعل، برزت شعبويّات غوغائيّة، لا تساعد بالطبع في تعزيز السلام والاستقرار، ما من تحريضٍ على العنف يَضمَنُ السلام؛ وأيّ عملٍ أحاديّ، لا يولّد عمليّات بناءٍ مشتركة، إنما هو في الواقع هديّة لدعاة التطرّف والعنف.

“من أجل تفادي الصراعات وبناء السلام، من الأساسيّ العمل على استئصال أوضاع الفقر والاستغلال، حيث يتأصّل المتطرّفون بسهولة أكبر؛ وعلى ردع تدفق الأموال والأسلحة نحو الذين يثيرون العنف.

وإن عدنا للسبب الأساسيّ، من الضروري وقف انتشار الأسلحة التي، إن تمّ تصنيعها وتسويقها، سوف يتمّ استخدامها عاجلًا أو آجلًا. لا يمكن منع الأسباب الحقيقيّة لسرطان الحرب، إلّا إذا استطعنا كشف المناورات الخفية والملتوية.

ويضع هذا العمل المُلِحّ والخطير للغاية الحِمْلِ على كاهل مسؤولي الأمم، وعلى المؤسّسات، والتعليم، كما يقع على كاهلنا نحن المسؤولين تجاه الحضارة، والمدعوّين من لله، ومن التاريخ، ومن المستقبل، إلى بدء عمليّات سلام، كلٌّ في مجاله، دون التهرب من وضع أسُس تحالف صلبة بين الشعوب والدول.

وختم البابا فرانسيس كلمته بـ “أرجو أن تتمكن، أرض مصر العريقة والعزيزة، بمعونة لله، أن تجيب على دعوتها، دعوة الحضارة والعهد، وتساهم بنموّ عمليات سلام لهذا الشعب الحبيب ولمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، السلام عليكم”.

وعقب زيارته للأزهر توجه البابا فرانسيس لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال كلمة نصها:

فخامة رئيس الجمهورية، السادة أعضاء الحكومة والبرلمان، السادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، السيدات والسادة الأعزاء،

السلام عليكم

أشكركم، فخامة الرئيس، من أجل كلمات الترحاب الطيبة ومن أجل الدعوة التي تفضلتم بتوجيهها لي لزيارة بلدكم الحبيب لا زلت أتذكر زيارتكم لروما، في شهر نوفمبر 2014، وكذلك اللقاء الأخوي مع قداسة البابا تواضروس الثاني، سنة 2013، ومع الإمام الأكبر لجامعة الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، العام المنصرم.

إني لسعيد أن أكون في مصر، أرض الحضارة النبيلة والعريقة، والتي حتى اليوم يمكن الانبهار أمام آثارها التي تصمد، في هيبة وجلال، وكأنها تتحدى العصور، إن هذه الأرض تعني الكثير لتاريخ البشرية ولتقليد الكنيسة، ليس فقط من أجل ماضيها التاريخي العريق -الفرعوني والقبطي والإسلامي- إنما أيضًا لأن العديد من الآباء البطاركة عاشوا في مصر واجتازوها في الحقيقة، قد ورد اسم مصر مرات عديدة في الكُتب المقدسة. ففي هذه الأرض أسمع الله صوته، و”كشف عن اسمه لموسى النبي” وفوق جبل سيناء أودع الرب شعبه والبشرية الوصايا الإلهية وعلى أرض مصر وجدت ملجأ وضيافة العائلة المقدسة: يسوع المسيح ومريم العذراء ويوسف النجار.

إن الضيافة التي قدمت بكرم منذ أكثر من ألفي عام خلت، تبقى في ذاكرة البشرية بأسرها، وهي مصدر للعديد من البركات الممتدة حتى اليوم إن مصر إذا هي الأرض التي بشكل ما نشعر وكأنها أرضنا جميعًا كما تقولون أنتم: “مصر أمّ الدنيا” وهي حتى يومنا الحاضر ترحب بالملايين من اللاجئين القادمين من بلدان مختلفة، والتي من بينها السودان وإريتريا وسوريا والعراق، والذين تحاول مصر دمجهم في المجتمع المصري من خلال جهود تستحق كل ثناء.

إن لمصر، بسبب تاريخها وموقعها الجغرافي الفريد، تلعب دورًا لا غنى عنه في الشرق الأوسط وبين البلدان التي تبحث عن حلول للمشاكل الملحة والمعقدة التي تحتاج إلى معالجة فورية، لتفادي الانحدار في دوامة عنف أكثر خطورة، أشير هنا إلى العنف الأعمى وغير الإنساني الناتج عن عدة عوامل: الرغبة الجامحة للسلطة وتجارة الأسلحة والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرف الديني الذي يستخدم اسم الله القدوس لارتكاب مجازر ومظالم مريعة.

إن مصير مصر هذا وواجبها هما اللذان قد دفعا الشعب لأن يلتمس بلدًا لا ينقص فيها الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، إن هذه الغاية ستكون بكل تأكيد واقعًا ملموسًا إذ وحد الجميع إرادتهم، على قلب رجل واحد، في تحويل الكلمات إلى أفعال، والرغبات المشروعة إلى التزام، والقوانين المكتوبة إلى قوانين مُطَبَّقة، مستغلين في ذلك العبقرية الفطرية لهذا الشعب.

لدى مصر، إذا واجب فريد، واجب تقوية وتعزيز السلام في المنطقة أيضًا، برغم من كونها جريحة، فوق أرضها، نتيجة للعنف الأعمى مثل هذه الأعمال تسببت عن غير حق في آلام للعديد من الأسر –وبعضها حاضر هنا اليوم– التي تبكي موت أبنائها وبناتها.

أفكر خاصة في جميع الأشخاص الذين، في السنوات الأخيرة، فقدوا حياتهم من أجل المحافظة على سلامة وطنهم: في الشباب، ورجال القوات المسلحة والشرطة والمواطنين الأقباط وآخرين مجهولين سقطوا جميعا نتيجة لأعمال إرهابية مختلفة، أفكر كذلك في عمليات القتل والتهديدات التي أدت إلى تهجير المسيحيين من شمال سيناء، أعبر هنا عن الامتنان للسلطات المدنية والدينية، ولجميع الذين قدموا ضيافة وعونا لهؤلاء الأشخاص الذين عانوا كثيرًا، أفكر كذلك بأولئك الذين سقطوا ضحية الهجمات التي وقعت ضد الكنائس القبطية، سواء في شهر ديسمبر الماضي أو الهجمات الأخيرة في طنطا والإسكندرية أتقدم لأقربائهم ولكل مصر بأحر التعازي وأرفع صلاتي للرب كي يمن على الجرحى بالشفاء العاجل.

فخامة الرئيس، السيدات والسادة المحترمون،

لا يسعني إلا أن أشجع جرأة العديد من المساعي التي تُبذل لتحقيق العديد من المشروعات الوطنية، وكذلك الكثير من المبادرات التي تم اتخاذها لصالح السلام في البلاد وخارجها، بهدف الوصول إلى التنمية والازدهار والسلام المنشود، التي يريدها الشعب ويستحقها.

إن التنمية والازدهار والسلام هي خيرات لا يمكن التنازل عنها وتستحق كل التضحيات وهي تشكل أيضًا غايات تتطلب العمل الجدي، والالتزام المقتنع والمنهجيات المناسبة وقبل كل شيء، الاحترام غير المشروط لحقوق الإنسان غير القابلة للمساومة: كالحق في المساواة بين جميع المواطنين، وحق حرية الدين والتعبير، دون أدنى تمييز إنها أهداف تستوجب عناية خاصة بدور المرأة والشباب والأكثر فقرًا والمرضى في الواقع، تُقاس التنمية الحقيقية بمدى الاهتمام المكرس لصالح الإنسان –قلب كل تنمية- لتعليمه ولصحته ولكرامته، ففي الحقيقة تتجلى عظمة أي أمة في مدى الرعاية التي تكرسها حقًا للأكثر ضعفًا من أفراد المجتمع: النساء والأطفال وكبار السن والمرضى وذوي الإعاقة، والأقليات، بحيث لا يبقى هناك شخص أو فئة مجتمعية منبوذة أو متروكة على الهامش.

إزاء مشهد عالمي في غاية الحساسية والتعقيد، يجعلنا نفكر فيما قد أطلقتُ عليه “حربا عالمية على أجزاء”، يحتم علينا أن نؤكد أنه لا يمكن بناء الحضارة دون التبرؤ من أي أيديولوجية للشر، والعنف ومن كل تفسير متطرف يرمي إلى إلغاء الآخر وإبادة التنوع عن طريق التلاعب باسم الله القدوس والإساءة إليه، أنتم، يا فخامة الرئيس، قد تكلمتم عن هذا الأمر عدة مرات وفي مختلف المناسبات بوضوح يستحق كل إصغاء وتقدير.

علينا جميعا واجب أن نُعلِّم الأجيال الجديدة أن الله، خالق السماوات والأرض، ليس بحاجة إلى حماية من البشر بل، على العكس، هو الذي يحمي البشر، وهو لا يرغب مطلقًا في موت أبنائه بل في حياتهم وسعادتهم، وهو لا يمكن له أن يطلب العنف أو أن يبرره، إنما، على العكس، يرذله وينبذه، إن الإله الحقيقي يدعو للمحبة غير المشروطة، وللمغفرة المجانية، وللرحمة، وللاحترام المطلق لكل حياة، وللإخوّة ما بين أبنائه، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين.

علينا واجب أن نؤكد معًا أن التاريخ لا يغفر لهؤلاء الذين ينادون بالعدالة ويمارسون الظلم؛ التاريخ لن يغفر لهؤلاء الذين يتحدثون عن المساواة ويقصون المختلفين، علينا واجب أن نفضح باعة أوهام الآخرة، الذين يعظون بالكراهية كي يسرقوا من البسطاء حياتهم الحاضرة وحقهم في العيش بكرامة، ويحولونهم إلى وقود حرب حارمين إياهم من إمكانية أن يختاروا بحرية، وأن يؤمنوا بمسئولية، وقبل عدة دقائق قلت لي يا فحامة الرئيس إن الرب هو رب الحرية، وهذه حقيقة، يجب علينا أن ندحض الأفكار القاتلة والأيديولوجيات المتطرفة، مؤكدين على أنه لا يمكن الجمع بين الإيمان الحقيقي والعنف بين الله وأفعال الموت.

لكن التاريخ، خلافا لذلك، يكرِّم بناة السلام، الذين يناضلون من أجل عالم أفضل، بشجاعة وبدون عنف: بيد أن مصر، والتي في زمن يوسف أنقذت الشعوب الأخرى من المجاعة هي مدعوة اليوم إذا لأن تنقذ هذه المنطقة العزيزة من مجاعة المحبة والأخوة؛ مدعوة لإدانة ولهزيمة أي عنف وأي إرهاب، إنها مدعوة لتقديم قمح السلام لجميع القلوب الجائعة لتعايش سلمي، لعمل كريم، ولتعليم إنساني إن مصر، التي في ذات الوقت، بيدٍ تبنى السلام وبالأخرى تحارب الإرهاب، مدعوة لإثبات أن “الدين لله والوطن للجميع”، كما كان شعار ثورة 23 يوليو 1952، مؤكدة على أنه يمكن للشخص أن يؤمن وأن يعيش في وئام مع الآخرين، متشاركا معهم في القيم الإنسانية الأساسية، ومحترما حرية وإيمان الجميع، إن دورَ مِصرَ الفريد هو ضروري حتى نتمكن من التشديد على أن هذه المنطقة، مهد الأديان الثلاثة الكبرى، بإمكانها، بل ويجب عليها، أن تنهض من ليل المحنة الطويل هذا كي تشع مجددا قيم العدالة والأخوة العليا. تلك القيم التي تمثل الأساس المتين واللازم لبلوغ السلام. فمن الدول الكبرى لا يمكن توقع القليل!

إننا نحتفل هذا العام بذكرى مرور سبعين سنة على العلاقات الدبلوماسية بين الكرسي الرسولي وجمهورية مصر العربية، إحدى أوائل الدول العربية التي أقامت مثل هذه العلاقات الدبلوماسية. إنها علاقات اتسمت دائما بالصداقة، والتقدير والتعاون المتبادل. أتمنى أن تسهم زيارتي هذه في تدعيمها وتعزيزها.

إن السلام هو هبة من الله ولكنه أيضًا ثمرة لجهد الإنسان.

إنه خير يجب أن يُشيَّد وأن يُحرَّس، في إطار احترام المبدأ الذي يؤكد قوة القانون لا قانون القوة سلامٌ لهذا الوطن الحبيب، سلامٌ لكل هذه المنطقة، وبصفة خاصة لفلسطين وإسرائيل، ولسوريا، ولليبيا، ولليمن، وللعراق ولجنوب السودان؛ السلام لجميع الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة.

فخامة الرئيس، السيدات والسادة،

أود أن أقدم تحية مودة وعناق أبوي لجميع المواطنين المصريين، الموجودين وبطريقة رمزية هنا في هذه القاعة، أحيي كذلك الأبناء والأخوة المسيحيين الذي يعيشون في هذا البلد: الأقباط الأرثوذكس، واليونانيين البيزنطيين، والأرمن الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك ليحفظكم القديس مرقس، الذي بشر بالمسيحية في هذه الأرض، ويساعدنا على بلوغ الوحدة، العزيزة جدًا على قلب ربنا (را. يو 17، 20 – 23)، إن وجودكم في هذا البلد ليس أمرًا جديدًا ولا عرضيًّا، ولكنه تاريخي وجزء لا يتجزأ من تاريخ مصر فأنتم جزء أصيل من هذا البلد وقد طورتم عبر القرون نمطًا من العلاقة الاستثنائية، علاقة تكافل فريدة من نوعها، يمكن أن تؤخذ كمثال يحتذى به في البلدان الأخرى وقد أثبتم، وتثبتون، أنه يمكن أن نعيش معا في إطار من الاحترام المتبادل والمواجهة المتكافئة، وأن نجد في الاختلاف مصدرا للإثراء وليس أبدًا سببا للخلاف.

أشكركم جميعًا على استقبالكم الحار، وأطلب من الله القدير والواحد أن يغمر جميع المواطنين المصريين ببركاته الإلهية، وليمنح الله مصر السلام والازدهار والتقدم والعدالة ويبارك جميع أبنائها.

شكرًا لكم وتحيا مصر”.

التقى البابا فرانسيس بابا الفاتيكان ببطريك الأقباط الأرثوذكس وقاما بتوقيع وثيقة بينهما نصها:

“طاعةً لعمل الروح القدس الذي يقدس الكنيسة ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبلغ الوحدة الكاملة التي صلى المسيح من أجلها، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني كي نُسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وكذلك قلوب أبنائنا في الإيمان، نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارَس في كنيستينا للشخص الذي يريد الانضمام للكنيسة الأخرى حسب تعاليم الكتاب المقدس وإيمان المجامع المسكونية الثلاثة في نيقية والقسطنطينية وأفسس .. نطلب من الله الآب أن يقودنا في الأوقات وبالطرق التي يريدها الروح القدس إلي بلوغ الوحدة التامة لجسد المسيح السري”.

وأعلنت إذاعة الفاتيكان وصفحتهم الرسمية أن الوثيقة تنص على عدم إعادة المعمودية بين أبناء الكنيستين في مصر، الأمر الذي سبب حالة غضب وجدل بين بعض الأوساط المسيحية، فخرجت الصفحة الرسمية لسكرتارية المجمع المقدس ببيان نصه:

“نستنكر الأقوال الكاذبة، والإشاعات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي صارت بلا قراءة لأي نص يخص البيان الذي سيتم توقيعه في زيارة بابا روما بخصوص المعمودية، والنص الذي سيتم التوقيع عليه هو:

طاعةً لعمل الروح القدس الذي يقدس الكنيسة ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبلغ الوحدة الكاملة التي صلي المسيح من أجلها ، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني كي نسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وكذلك قلوب أبنائنا في الإيمان ، نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارس في كنيستينا للشخص الذي يريد الانضمام للكنيسة الأخرى حسب تعاليم الكتاب المقدس وإيمان المجامع المسكونية الثلاث في نيقية والقسطنطينية وأفسس . نطلب من الله الأب أن يقودنا في الأوقات وبالطرق التي يريدها الروح القدس إلي بلوغ الوحدة التامة لجسد المسيح السري”.

وجاء بيان الكنيسة عقب التوقيع منافي لتصريحات الكنيسة الكاثوليكية، ولم يرد البابا تواضروس شخصياً عن حقيقة ما تم توقيعه إلا أن عدد من الأساقفة هاجموا التوقيع بين الكنيستين في بيانات مثل الآنبا آغاثون أسقف مغاغة والعدوة، وقال في جزء من نص البيان:

“منذ بدء المسيحية ، كانت هناك معموديات صحيحة وأخرى غير صحيحة وباطلة. والمعموديات القانونية الصحيحة ، التي تمت أو تتم في الكنائس ، التي بقيت وتمسكت بإيمان الكنيسة الجامعة ، ولم تنشق عليه سنة 451م ، أو بعد ذلك.

وهي مثال كنائس العائلة الأرثوذكسية الشرقية وفي مقدمتها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية ، والكنيسة السريانية، والكنيسة الأرمينية، وفي هذه الكنائس المعمودية واحدة، ولا تُعاد. أما المعموديات غير القانونية، وغير الصحيحة هي التي تمت وتتم في الكنائس التي لم تبقى، ولم تتمسك بإيمان الكنيسة الجامعة، بل انشقت عليه سنة 451م، وبعد ذلك، وهي مثال الكنيسة الكاثوليكية، وبقية الكنائس الغربية، التي انشقت على إيمان الكنيسة الجامعة سنة 451م، والكنائس التي انشقت منها بعد ذلك”.

كما أقام بابا الفاتيكان صلاة قداس في دار الدفاع الجويحضره الآلاف من مختلف الطوائف المسيحية.