نهاية يناير 2017،
بدأت موجة من حوادث استهداف الأقباط بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، وبلغت حتى نهاية فبراير 2017، ست حوادث نتج عنها قتل سبعة أقباط، بدأت بقتل وائل يوسف قلدس، في 30 يناير، داخل متجره بشارع 23 يوليو الرئيسي وسط مدينة العريش في منتصف اليوم. وقد اتسمت هذه الاعتداءات بالعنف الشديد واستهداف الأقباط في منازلهم وحرق جثث البعض ونهب المنازل قبل حرقها، كما تنوعت الأحياء التي ينتمي إليها الضحايا. كما عمل القائمون بهذه الاعتداءات على الحصول على التليفونات المحمولة للضحايا، وهو ما وفر لهم قاعدة بيانات جاهزة بأسماء وأرقام تليفونات باقي المسيحيين في المدينة.
وكانت وقائع القتل كما يلي:
30 يناير 2017، قتلت عناصر مسلحة وائل يوسف قلدس، 35 عامًا، داخل متجره بشارع 23 يوليو الرئيسي وسط مدينة العريش، حيث قام ثلاثة مسلحين ملثمين اقتحموا المتجر، وأطلقوا الرصاص عليه، وأردوه قتيلًا بست طلقات بالرأس والبطن.
كان يوسف في محله مع زوجته وطفل من ابنيه عندما دخل الملثمون، أمسك أحدهم زوجة الضحية قبل أن تصرخ، ثم أطلقوا الرصاص. وقد قام الملثمون بفتح زجاجات مياه غازية وأكياس شيبسي وأكلوا منها، ثم قاموا بأخذ جهاز التليفون المحمول الخاص بالضحية والنقود الموجودة بالمتجر قبل فرارهم.
12 فبراير 2017، قتل د. بهجت وليم زاجر طبيب بيطري، 40 عامًا، برصاص مسلحين أثناء سيره بسيارته بمنطقة حي العبور جنوب مدينة العريش الساعة التاسعة صباحًا، بعد استيقافه بالقوة تحت تهديد السلاح، ثم أطلقوا عليه الأعيرة النارية على الرأس والرقبة والبطن.
كان الضحية يقيم بحي الضاحية وهو ابن مدينة الإسكندرية، حيث تمت الصلاة على جثمانه بكنيسة مار جرجس بالشاطبي بالإسكندرية.
25 فبراير 2017 قُتل عادل شوقي، 55 عامًا، عن طريق رصاصة في الرأس، وهو مقيم بحي السمران بالعريش وهو عامل باليومية. وفور مقتله فرت الأسرة إلى محافظة أسيوط وأقامت فترة عند بعض الأقارب، قبل أن تنتقل إلى محافظة الإسماعيلية مع موجة هجرة الأقباط من العريش إليها.
وانتشرت في غضون الأسبوع الثاني من فبراير، منشورات تحريضية ضد مسيحيي العريش، تطالبهم بالرحيل وتهددهم باستهدافهم وقتلهم على الهوية الدينية، وقد وجد عدد من الأقباط المنشورات أمام أبواب منازلهم، بينما استقبل البعض رسائل تهديد على التليفونات الشخصية. وأفاد عدد في شهادتهم للمبادرة المصرية عن وجود قائمة بأسماء 40 مسيحيًّا هم على رأس قائمة الذين سيتم استهدافهم.
26 فبراير 2017، إطلاق النيران على جمال توفيق جرجس، 50 سنة، تاجر، أثناء قيامه ببيع الأحذية، في سوق الخميس بحي السمران في العريش، ما أسفر عن إصابته بطلق ناري في الرأس ووفاته. وكان جمال يعمل مدرسًا وفي نفس الوقت يبيع الأحذية لتحسين دخله، وكانت زوجته معه أثناء استهدافه.
21 فبراير 2017، استهدفت عناصر مسلحة كلًّا من سعد حكيم حنا، 65 سنة ونجله مدحت، 45 سنة، داخل منزلهما، بشارع سلمان الفارسي، في حي البطل، بدائرة قسم شرطة ثالث العريش، وقاموا بإطلاق النار عليهما، ثم بإشعال النيران في جثة الابن.
23 فبراير 2017، قتل كامل رؤوف كامل يوسف الشهير بكامل أبو روماني، 40 عامًا، على أيدي مسلحين يرتدون جلابيب بيضاء داخل منزله، حيث اقتحموا منزل الضحية الذي يملك محلًّا للأدوات الصحية في الثامنة والنصف مساءً، ويقطن في منطقة حي الزهور دائرة قسم ثالث العريش، وأمطروه بوابل من الرصاص، أمام زوجته وأولاده الخمسة، ثم أشعلوا النار في المنزل، ولاذت العناصر بالفرار. قال شهود عيان إن الضحية حاول الفرار منهم لكنهم لحقوا به وقتلوه.
وقد أقيمت الصلاة على جثمانه بمدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية.
4 مارس 2017، أشعل مجهولون النيران في منزل منير ملك، في حي الشوربجي بالمساعيد، وكان المنزل خاليًا من السكان، فقد هاجرت الأسرة التي تقيم فيه قبل الحادث.
12 مارس 2017، تعرض عدد من منازل الأقباط بالعريش التي تركها أصحابها خوفًا على حياتهم لعمليات سرقة ونهب، حيث تم نهبت ثلاثة منازل بحي الصفا بالعريش ملك عدلي سليمان وجمال عدلي ومنزل ابنه.
وقال عدلي سليمان إن جيرانه أبلغوه بأنهم فوجئوا بباب منزله مفتوحًا وتم سرقة ما بداخل المنزل من أجهزة ومتعلقات، وأضاف أنه ذهب إلى قسم شرطة الإسماعيلية وقام بتحرير محضر لإثبات الواقعة.
وتكرر نفس الأمر، مع جمال عدلي عامل بكنيسة مار جرجس بالعريش، حيث تلقى اتصالًا من جيرانه يفيد اقتحامه وسرقة ما فيه.
6 مايو 2017، أطلق أعضاء بتنظيم داعش النار على نبيل صابر فوزى 40 عاما _قبطي_ كان قد هاجر عقب الاعتداءات التي وقعت في يناير وفبراير من نفس العام، واستقر بمحافظة بورسعيد، لكنه عاد مجددًا إلى مدينة العريش قبل عشرة أيام من مقتله.
فقد قرر العودة بمفردة وظلت أسرته ببورسعيد وفتح محل لقص الشعر، وفي يوم الحادث أطلقت مجموعة مسلحة النيران عليه بمحله بمنطقة عاطف السادات بجوار الضاحية فأودته قتيلًا .
تهجير الأقباط
مع تزايد حالات القتل، توجه عدد من الأقباط إلى مؤسسات الدولة، وقدموا شكاوى إلى الجهات الأمنية تتضمن فحواها التهديدات التي تلقوها عبر التليفونات المحمولة والمنشورات التي تركت تحت أبواب المنازل، ولم يجدوا أية استجابة تذكر منها، سواء بتشديد الحراسة أو بطمأنتهم حول وجود خطط للتدخل وبسط الأمن، في حين وعد محافظ شمال سيناء بإعطاء تعليمات للجهات الحكومية بمنح الموظفين بها إجازة شهرًا لحين تحسن الوضع.
في نفس الوقت، لجأ عدد من الأقباط إلى الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، وطالبوه بالتحرك للضغط على أجهزة الدولة لاتخاذ موقف تجاه الوضع المتدهور، في حين أكد هو عدم امتلاكه أيه قنوات اتصال مع المسئولين في هذا الشأن، وأن الإرهاب يستهدف قوات الجيش والشرطة أيضًا، وقال لهم إن كل مواطن مسئول عن نفسه سواء بالبقاء وتحمل نتائج اختياره أو الرحيل لحين هدوء الوضع الأمني.
توقفت الأسر عن إرسال التلاميذ إلى المدارس خوفًا عليهم، كما امتنع عدد كبير من الرجال عن الخروج إلى أماكن العمل، وأغلقوا محالهم التجارية، واقتصر الخروج على السيدات فقط، حيث أن المسلحين كانوا يتركون السيدات ويقتلون الرجال، والبعض لجأ إلى إطفاء الإضاءة بالمنازل ليلًا حتى يعطي انطباعًا بأنه لا يوجد أحد بالمنازل، بينما كانت أغلبية الأسر تسهر تراقب النوافذ استعدادًا للهروب إذا جاء المسلحون إليهم.
ووفقًا لإحدى شهادات المهجرين، قال صاحب محل تجاري إنه أغلق محله لمدة أسبوع كامل، وعندما أعاد فتحه لأنه يعيش على دخله اليومي، لم يستمر سوى ساعتين، فعندما أطال أحد المارة النظر إليه بشكل مريب تملكه الخوف وأغلق المحل مسرعًا إلى المنزل.
في ظل هذه الاعتداءات ومشاعر الخوف السائدة بين مسيحيي شمال سيناء، أصدر تنظيم الدولة الإسلامية – مصر مقطع فيديو، 19 فبراير 2017، يؤكد خلاله أنه المسئول عن تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر 2016، كما حرض من خلاله على قتل المسيحيين بغض النظر عن اختلافاتهم ووظائفهم، والاعتداء على ممتلكاتهم في كامل أراضي مصر. وتضمن الفيديو الادعاء بأن الأقباط ليسوا من أهل الذمة ولا معاهدين ولذا “كان لزامًا على المجاهدين والموحدين استهداف نصارى مصر وتنغيص معيشتهم في أي مكان وإدخالهم دائرة الصراع وهم من جملة الصليبيين المحاربين للمسلمين”.
خلال الأسبوع الثالث من فبراير، حدث تغيير ملحوظ في نمط الاعتداءات، حيث تم استهداف الأقباط داخل منازلهم، والتمثيل بجثث الضحايا بحرقها بعد إطلاق النار عليها وحرق منازلهم في وجود نساء الأسرة، كما استقبل عدد من المسيحيين رسائل على التليفونات الشخصية تهددهم وتطالبهم بالرحيل، كما تركت منشورات أسفل أبواب المنازل بنفس المعنى. فوجد سمير (اسم مستعار)، على سبيل المثال لا الحصر، منشورًا أمام باب شقته بمنطقة المساعيد مكتوب فيه “ارحل غدًا وإلا علقت رأسك على المنزل يا صليبي”.
في هذا الوقت، بدأ التفكير عبر مجموعات متنوعة في الهجرة وترك العريش، وبالفعل تحركت بعض العائلات التي لها امتدادات في محافظات ومدن أخرى حيث انتقلت بعض الأسر إلى محافظات القاهرة وأسيوط والإسماعيلية، كما شجع بعض الأهالي المسلمين جيرانهم على الهجرة خوفًا على حياتهم، خصوصًا في ظل عدم القدرة على التدخل لمنع الاعتداءات أثناء وقوعها، خوفًا من رد فعل المسلحين.
توجه عدد من مواطني العريش المسيحيين ذوي الامتداد العائلي بمحافظة الإسماعيلية، خصوصًا بالقنطرة غرب، بالإضافة إلى أنها أقرب محافظة إلى شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية، وتحديدًا الكنيسة الإنجيلية، التي أبدت استعدادها لاستقبال الفارين من القتل. خرجت تلك الأسر من المناطق التي شهدت أعمال قتل، خصوصًا أحياء الزهور والسمران والصفا وشارع 23 يوليو وبعض الشوارع من المساعيد والريسة.
كونت الكنيسة الإنجيلية لجنة للتنسيق، وخصصت رقم تليفون لتلقي الاستغاثات، وهو ما انتشر بين أهالي العريش يومي الأربعاء والخميس 22 و23 فبراير، وقد أبلغ عدد منهم الكنيسة الأرثوذكسية بالعريش نيتهم السفر إلى الإسماعيلية، وقوبل مطلبهم أيضًا بالتجاهل.
وصلت مساء الخميس أربع أسر، ثم بدأت أعداد الفارين في التزايد صباح الجمعة بشكل كبير ولافت، فاق قدرة الكنيسة الإنجيلية على استيعابها، فدخلت الكنيسة الأرثوذكسية على خط الأحداث بالتعاون والتنسيق مع الكنيسة الإنجيلية، وتم تسكين عدد من الأسر في شقق قامت بتأجيرها الكنيستان بمدينة المستقبل.
تحركت هذه الأسر فرادى، أو بالتنسيق مع عدد محدود من الجيران، فلم تكن هناك عملية منظمة أو عملية فيها خروج جماعي، ولم تحمل الأغلبية منها أية ممتلكات أو أغراض للمعيشة، بخلاف حقائب ملابس صغيرة للإعاشة، وقد تركت بعض الأسر مفاتيح المنازل مع جيرانهم المسلمين. وتعرضت الأسر المهجرة لصعوبات جمة أثناء رحلة الخروج، بدأت بإضفاء السرية قبل عملية المغادرة خوفًا من معرفة المسلحين بذلك واستهدافهم، ثم البحث عن سيارات للأجرة تنقلهم بدون التعرض للخطر، وانتهاءً بالمرور من الأكمنة الأمنية المنتشرة على أطراف المدينة.
وقد أجرى عدد من النشطاء الأقباط الذين استقبلوا أقباط العريش بالكنيسة الإنجيلية بمدينة الإسماعيلية اتصالات بأجهزة الدولة التي تجاهلت الأزمة، ولم تتحرك للتعامل معها، باستثناء وزير الشباب الذي قرر فتح بيت شباب الإسماعيلية بطريق الملاحات للأسر التي وصل عددها في نهاية يوم الجمعة إلى خمسة وعشرين أسرة جرى تسكينها ما بين مدينة المستقبل وبيت الشباب. وفي اليوم التالي تزايدات الأعداد بصورة كبيرة، حيث وصلت ثلاث وسبعون أسرة، ودخلت الحكومة على خط الأزمة حيث قامت وزيرة التضامن الاجتماعي ومحافظ الإسماعيلية بزيارة الأسر المهجرة ووعداها بمساعدتها والعمل على راحتها، وقررت فتح بيت التكوين المهني التابع للوزارة ومعسكر القرش لاستيعاب هذه الأعداد.
وبالتزامن مع ذلك، توجهت أعداد من الأسر إلى محافظات: القاهرة، أسيوط، المنيا، الإسكندرية، الغربية، الشرقية، القليوبية، بني سويف، الدقهلية، المنوفية، والبحر الأحمر، وذلك لوجود امتدادات عائلية وافقت على استضافة الأسر المهجرة.
بلغ عدد الأسر الوافدة إلى محافظة الإسماعيلية وفقًا لبيان صادر عن إيبارشية الإسماعيلية في 19 مارس 2017، 204 أسر مسيحية، توجهت منها 24 أسرة إلى محافظة بورسعيد حيث يقيم بعضهم في بيوت ضيافة بالمحافظة والبعض الآخر تستضيفهم الكنيسة ببور فؤاد. بينما تقيم 180 أسرة في محافظة الإسماعيلية تم تسكينها بالكامل في مدينة المستقبل، قامت وزارة التضامن الاجتماعي بالاشتراك مع وزارات وجمعيات أخرى بتوفير 120 شقة سكنية تم تجهيزها بكل ما يلزمها للإعاشة، وساهمت مطرانية الإسماعيلية في ذلك، بينما قامت المطرانية أيضًا باستضافة 60 أسرة في شقق قامت بتأجيرها من أصحابها بمدينة المستقبل مع بداية الأزمة.
على نفس المنوال، استقبل اللواء خالد سعيد محافظ الشرقية 8 أسر قبطية بعدد 33 فردًا، وقرر تسكينهم بوحدات سكنية بمركز ومدينة الزقازيق وإنهاء إجراءات ندب العاملين منهم بمختلف المديريات الخدمية المناظرة بنطاق دائرة المحافظة. وصرح اللواء محمود عشماوي، محافظ القليوبية، بأن المحافظة استقبلت 9 أسر مهجرة، وتم تسكينهم في الخصوص وشبرا الخيمة وبنها. وغادرت ست أسر إلى محافظة المنيا، وتم توزيع 4 أسر للإقامة في قرية إبوان بمركز مطاي بشمال المحافظة، بينما ذهبت أسرتان للإقامة لدى أقاربهم وذويهم بمركز ملوي.