19 نوفمبر 2018
نظمت وزارة الأوقاف المصرية الاحتفال السنوي بمناسبة المولد النبوي الشريف، بحضور رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف. وكشفت كلمات المتحدثين عن ما يبدو اختلافًا في وجهات النظر بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف حول أولويات وطبيعة ما يعرف بتجديد الخطاب الديني.
ألقى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر كلمة متحدثًا عما أسماه “الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملةً وتفصيلًا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب، في كل ما نأتي وما ندع من عبادات ومعاملات”. 1
وقال شيخ الأزهر أن “هذه الدعوة أول ما ظهرت في عصرنا الحديث، في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك، منهم من انتهى به الأمر إلى ادعاء النبوة، ومنهم من كان ولاؤه للاستعمار، ومنهم من أداه اجتهاد إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترًا وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أية قيمة تشريعية في الإسلام، وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربًا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبًا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين”.
واختتم كلمته بالسؤال بصيغة تعجب ودهشة بالغة: ”من أنبأ هذا النبي الكريم بأن ناسًا ممن ينتسبون إليه سيخرجون – بعد أكثر من ثلاثـة عشر قرنًا من الزمان – ينادون باستبعاد سنته والاكتفاء عنها بالقرآن ليحذرنا من صنيعهم قبل أن يخلقوا بقرون عدة؟!”.
بينما تناولت كلمة د. مختار جمعة وزير الأوقاف تجديد الخطاب الديني بشكل عام، واصفًا إياه2 “بالأمر الذي أصبح واجب الوقت ومن أولى أولوياته فى حق العلماء والمثقفين والمفكرين، فهو عملية ديناميكية لا تتوقف ولا ينبغي أن تتوقف أو تحد بحد، مع الحفاظ على الثوابت والتفرقة الدقيقة بين الثابت والمتغير، فإلباس الثابت المقدس ثوب المتغير هدم للثوابت، وإلباس المتغير من الفكر البشري الناتج عن قراءة النص المقدس ثوب الثابت هو عين الجمود والتحجر والانغلاق والتخلف عن ركب الحضارة، بل عن ركب الحياة كلها، والخروجِ عن أسباب التقدم بالكلية. وعليه فإن الخلط بين ما كان من شئون العقائد أو العبادات وما هو من شئون نظام الدولة وإنزال هذا منزلة ذلك خلل في الفهم وضرب من الجهل”.
وقال رئيس الجمهورية في كلمته3:
“لقد علمنا ديننا الحنيف أنه لا إكراه في الدين، ليرسخ بذلك قيم التسامح وقبول الآخر، إلا أنه من دواعي الأسف أن يكون من بيننا من لم يستوعب صحيح الدين وتعاليم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فأخطأ الفهم وأساء التفسير، وهجر الوسطية والاعتدال، منحرفًا عن تعاليم الشريعة السمحة ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة، متجاوزًا بذلك ما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من حرمة النفس، وقدسية حمايتها وصونها من الأذى والاعتداء. ولمواجهة تلك الظاهرة، فعلى كل فرد منا أن يقف بكل صدق أمام مسئولياته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، وتأتي في مقدمة تلك المسئوليات أمانة الكلمة، وواجب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة ديننا السمح، وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل، بالحجة والبرهان”.
وأضاف: “ورغم جهود هؤلاء العلماء والأئمة والمثقفين، ودورهم المحوري في هذه المعركة الفكرية والحضارية، إلا أننا نتطلع إلى المزيد من تلك الجهود لإعادة قراءة تراثنا الفكري، قراءة واقعية مستنيرة، نقتبس من ذلك التراث الثري ما ينفعنا في زماننا ويتلاءم مع متطلبات عصرنا وطبيعة مستجداته، ويسهم في إنارة الطريق لمستقبل مشرق بإذن الله تعالي لوطننا وأمتنا والأجيال القادمة من أبنائنا”.