مناوشات عقائدية على خلفية تصريحات سالم عبد الجليل

2017-05-31 . تمييز وعنف طائفي . رأي وتعبير

مايو 2017

أدى حديث للشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأسبق عن الديانة المسيحية إلى موجة من الجدل وردود الأفعال الغاضبة، حيث وصف العقيدة المسيحية بالفساد، والمسيحيين بالكفر والضلال، وذلك خلال حلقة يوم الثلاثاء 9 مايو 2017 لبرنامج “المسلمون یتساءلون” الذي كان يقدمه على فضائية المحور.

فور اندلاع الأزمة أعلنت إدارة قناة المحور في بيان لها اعتذارها عما جاء على لسان مقدم برنامج المسلمون يتساءلون بشأن العقيدة المسيحية ، بالإضافة إلى إنهاء التعاقد مع الشيخ سالم عبد الجليل مقدم البرنامج.

بينما أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بيانًا حذر خلاله من الإساءة لأقباط مصر. وأكد عزمه على اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه أي وسيلة إعلامية تروج لمثل هذه الآراء والتي تمثل اعتداءً على حقوق المواطنة الكاملة للأقباط المصريين. وعبر المجلس عن استيائه البالغ من لجوء بعض الشخصيات الدينية وغير الدينية إلى اعتبار أقباط مصر كفارًا، لأن “الأقباط المصريين ليسوا كفارًا بل يؤمنون برسالة سماوية يقرها الإسلام، الذي يحترم حرية العقيدة ويعترف الدين الإسلامي بنبيهم عيسى بن مريم، عليه السلام، ويصف أمه السيدة العذراء بأنها أشرف نساء العالمين”.

وأصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا قال فيه إنه اجتمع في 11 مايو لمناقشة تصريحات د. سالم عبد الجليل بشأن الديانة المسيحية والمسيحيين، وقال المجمع إن ما صدر هو تعبير عن رأي شخصي له، ولا يعبر عن الأزهر الذي لا يملك تكفير الناس، وأن الأزهر حريص على المحبة والمودة والأخوة مع شركاء الوطن.

وقد أصدر عبد الجليل بيانًا في 11 مايو توضيحيًّا قال فيه إن “ما صدر منه في إحدى حلقات برنامجه اليومي المذاع على قناة المحور الفضائية كان في سياق تفسيرنا لسورة آل عمران (ضمن تفسير للقرآن بدأ منذ أكثر من سنة) وتحديدًا لقول الله تعالى في سورة آل عمران:

{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَٰامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَٰاسِرِينَ (٨٥)}.

واستطرد: “حيث إنّ البعض اعتبر فيه جرحًا لمشاعر الإخوة المسيحيين فأنا عن جرح المشاعر أعتذر”.

وأكد عبد الجليل في بيانه إن “الحكم الشرعي بفساد عقيدة غير المسلمين، كما أن عقيدتنا فاسدة في (تصورهم) لا يعني استحلال الدم أو العرض أو المال [بأي حال من الأحوال] وقلت هذا على الهواء وأكّدته بالفعل منذ أسابيع حين عزّيت على الهواء قسيسًا كان ضيفًا على القناة يوم التفجيرات الإرهابية الآثمة”.

وأضاف: “كما أنّ كلمة كفر الواردة في القرآن الكريم تعني المغايرة والتغطية، وليس مقصودًا بها من قريب أو من بعيد المعنى المتداوَل في مصر حديثًا من كون كافر وصفًا مهينًا لاحتقار الشخص السيئ الخلق والفاجر في الظلم، فهذا المعنى لهذه الكلمة ليس في اللغة العربية، ولم يكن حتى على زمن نزول الوحي”.

وأضاف أن “الشركاء في الوطن لا يجوز التمييز بينهم على أساس العقيدة أو غيره.. بل هم جميعًا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات.. وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود.. واعتبرهم مع المؤمنين أمة واحدة”.

بينما أعلنت وزارة الأوقاف أنها تحركت بسرعة وحسم تجاه تلك التصريحات التي صدرت عن كل من الدكتور سالم محمود عبد الجليل، والسيد عبد الله محمد رشدي، “والتي تضر بالمصلحة الوطنية، وتتناقض تمام التناقض مع ما ندعو إليه من المواطنة المتكافئة واحترام حرية المعتقد وحرية الاختيار وعدم التعرض لعقائد الآخرين بسوء”.

وقررت الآتي:

صدر قرار لجنة الموارد البشرية بديوان عام الوزارة رقم (2930) بتاريخ 15/ 5/2017 بنقل السيد/ عبد الله محمد رشدي إلى وظيفة باحث دعوة ثانٍ بمديرية أوقاف القاهرة واعتمده معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة بالقرار الوزاري رقم 127 لسنة 2017م بتاريخ 15/ 5/2017.

وأصدر القطاع الديني قرارًا بمنع “كل من: الدكتور/ سالم محمود عبد الجليل, والسيد/ عبد الله محمد رشدي من صعود المنبر أو أداء الدروس الدينية أو إمامة الناس بالمساجد، وسحب أي تصريح خطابة يكون قد صدر لأي منهما من أي جهة تابعة للأوقاف, مع التأكيد على جميع مديري المديريات والإدارات ومفتشي الأوقاف وأئمتها والعاملين بها بتنفيذ القرار حرفيًّا, وتحرير محضر رسمي بناء على قانون الخطابة رقم 51 لسنة 2014، ووفق الضبطية القضائية الممنوحة لبعض قيادات ومفتشي الأوقاف حال مخالفة أي من المذكورين أو من غيرهما من غير المصرح لهم بالخطابة للتعليمات الصادرة في هذا الشأن”.

كما أكدت الوزارة على “احترامها لحرية المعتقد وحرية الاختيار وعدم التعرض لعقائد الآخرين بسوء, وقد أعلنت عن تأسيس المركز العالمي للسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع للوزارة, ليكون منطلقًا لنشر ثقافة السلام وأسس التعايش السلمي بل التكامل الإنساني بين البشر جميعًا دون تمييز, وسيكون أعضاؤه من العلماء والمفكرين والمثقفين مسلمين وغير مسلمين, من مصر ومختلف دول العالم, ليحل حوار الأديان والحضارات والثقافات والمصالح المشتركة محل أي لون من ألوان الصراع أو الطائفية, مؤملين أن تكون مصر هي القلب النابض للعالم كله في ذلك”.

وانتقد القس مكاري يونان في عظته الأسبوعية _12 مايو_ تصريحات الشيخ سالم عبد الجليل وقال:

“من الناحية القانونية أفكر البلد إن مرة مجموعة أطفال في الصعيد عملوا تمثيلية صغيرة، فاتهموهم بازدراء الأديان، وده إنسان على الملأ بيكفر الأقباط إللي همه أصل مصر وأصل البلد”.

وأضاف: “إحنا أصل البلد، وإن كان الإسلام ضغط علينا، وعددنا قل، ولازم كل واحد يعرف إن مصر مسيحية، وإن جدك وأبو جدك مسيحي، واعرف يا حبيبي إن إنت بالسيف والرمح بقيت كده.. وإللي ساب المسيح مننا كان بسبب السيف والرمح.. بلا مقارنة بين عقيدة وعقيدة أقول إن عقيدتنا إللي بتقول عليها فاسدة هي عقيدة الطهارة ونقاوة القلب”.

كما أصدر الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة ورئيس رابطة خريجي الكلية الإكليريكية بيانًا للرد على الشيخ سالم عبد الجليل جاء فيه أن “اتهامك (موجه خطابه لعبد الجليل) للعقيدة المسيحية بالفساد، والمسيحيين بالكفر والضلال تحتسب أمام القانون والدستور المصري، جرائم يحاسب القانون مرتكبيها”. وأضاف: “لم تقتصر خطورة هذه التصريحات الفجة، وهذه الروح الغريبة على مجتمعنا المصري ،على الديانة المسيحية وأتباعها فحسب، بل تمتد آثارها السلبية على الديانة الإسلامية، وعلى جامعة الأزهر الذي درس وتخرج فيها، وعلى وزارة الأوقاف التي كان يعمل فيها، وعلى الدستور والقانون المصري، اللذان شرعا حرية المعتقد أي الديانة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية”.

وأضاف البيان: “هذه التصريحات المقصودة والمتكررة عدة مرات، الصادرة عن رجل دين، ومسئول تعطي موافقة وتصريحًا موثقًا شرعیًّا، للمتشددين والإرهابيين، وذلك في كل أساليب وطرق التعدي على العقائد المسيحية، وعلى المسيحية كدیانة عمومًا، وأيضًا على الرموز الدينية كقادة، بالإضافة إلى كل ذلك في التعدي على دور العبادة، أي الكنائس والأدیرة، كمقدسات دينية، وعلى الأقباط وحرماتھم، وأعراضھم وممتلكاتھم”.

وأضاف أن “هذه الفتاوى تعد إهانة سمعة الدولة المصرية داخلیًّا وخارجیًّا، الذي یترتب عليها التأثير السلبي على الاقتصاد المصري، وخاصة في قطاع السياحة، والاستثمار، مع تعرض السلم الاجتماعي للخطر، والوحدة الوطنية بين المواطنين، للتكدير والمخاطر الجمة، التي لا يعرف عقباها”.

ثم أسهب بيان الأنبا أغاثون في استخدام آيات دينية من الكتاب المقدس والقرآن للتدليل بأن المسيحيين ليسوا كفارًا وأنهم لا يومنون بثلاثة آلهة.

وفي 17 مايو، أصدرت الدعوة السلفية بيانًا لتأييد تصريحات الشيخ سالم عبد الجليل. وقالت الدعوة السلفية في بيانها: “ما يطالب به البعض من أن يبين علماء كل دين عقيدتهم دون التطرق لعقائد الآخرين فغير ممكن عقلًا، وإلا فهل يُعقل ألّا يُدرس في عقائد المسيحيين موقفهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو حتى موقفهم من الخلاف التاريخي بين الكنائس؟”.

وتابعت: “أما الإسلام فلا تتم عقيدة التوحيد إلا بترك ما يضاده، وكما يُعلِّمُ المسلمون صغارَهم عقيدة الإسلام من خلال قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وغيرها من السور والآيات كثير، وأخطر من هذا ما ينادي به البعض من منع تدريس آيات من القرآن في المدارس، أو حتى منع تفسيرها في برامج تليفزيونية دينية، يعلم الجميع مسبقًا أنها موجهة للمسلمين مما ينفي عنها أي شبهة إساءة لغيرهم”.

وأضاف البيان: “إن بناء الميثاق الاجتماعي على نوع من الخداع والتضليل يجعله هشًّا يوشك على الانهيار، فالإرهابيّون الذين يريدون تفجير الكنائس سيسهل عليهم جدًّا أن يقولوا: “إن ما يقال لكم في هذا الموضوع برمته مصادم للقرآن الذي وصف المسيحيين وغيرهم بالكفر”، وفى هذه الحالة سيكون هذا كافيًا عند من يعرف هذه الحقيقة القرآنية لأول مرة عن طريقهم _وسيعرفها حتمًا مبتورة عن الآيات التي تقرر المعاملة بالبر والإقساط_ أن يقدم على هذه الجرائم، بخلاف من تعلّم الحقيقة كاملة، فإنه لا يمكن أن يتورط في هذا، لأنه يعلمُ أن الذي بيّن له تلك العقائد هو الذي أمره بالبر والإحسان مع من خالفها، بل وكم رأينا خلافًا تجاريًّا أو حياتيًّا بين مسلم ومسيحي ممن لا ينتمون إلى جماعات إرهابية، يتحول إلى فتنة طائفية، لعدم وجود الطرح المتوازن والإدراك التام للقضية من جميع أبعادها، مما يبين مدى هشاشة هذا البناء الذي يستسهله البعض”.